عادي
«فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ»

الإنسان.. نفحة سماوية وقبضة ترابية

23:42 مساء
قراءة 3 دقائق
1

د. سالم الشويهي

قصة آدم، عليه السلام، أول قصة ذكرت في القرآن الكريم، وفيها وقفات تربوية مهمة. والكلام على أبينا آدم أبو البشر، هو كلام عن بداية حياة الإنسان، وأصل نشأتنا جميعاً، فقد خلقنا الله تعالى كما قال من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، والناس على امتداد الزمان والمكان، سلالة متولدة من آدم وحواء. قال ابن عباس، رضي الله عنهما: «خلقت المرأة من الرجل فجعلت نهمتها في الرجل وخلق الرجل من الأرض فجعلت نهمته في الأرض»، أي اهتمامه وميله وتعلقه في الأرض. ولا غرابة في هذا، فالفطرة ترتبط بأصلها، ويسعد المخلوق بالسكون إليها. قال صلى الله عليه وسلم: «كلكم لآدم وآدم من تراب»، وقال المولى، جل وعلا، مبيناً لنا أصل نشأتنا: «والله خلقكم من تراب». وقد أبان الرسول، صلى الله عليه وسلم، ذلك فقال: «إن الله تعالى خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب وبين ذلك».

ومن الدروس المهمة التي نتعلمها من قصة خلق أبينا آدم، عليه السلام، أن الإنسان ما هو إلا نفحة سماوية وقبضة ترابية كما قال تعالى للملائكة عند خلق آدم: «فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين»، فالإنسان عليه أن يتذكر أنه يرجع في أصل تكوينه إلى التراب كما قال تعالى: «ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين». والسلالة ما استل من الشيء وانتزع، ففي الآية إشارة إلى أن أصل الإنسان خلاصة طينية من هذه الأرض وقد أثبت العلم الحديث أن جسم الإنسان يتكون من العناصر الموجودة في التراب، وأن نسبة الماء في جسم الإنسان تعادل نسبة البحار والأنهار إلى اليابسة في الكرة الأرضية. وهذه الحقائق عرفناها من الوحي المعصوم وقد أثبتها العلم الحديث، فالإنسان من مادة أرضية وروح سماوية وكل عنصر يميل به إلى أصله فتجذبه المادة إلى حب الشهوات والملذات وعلى الإنسان أن يقاوم جذب المادة بتزكية الروح كما قال تعالى: «قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها»

فأطلق الروح لتسمو واروِ فيك الخير ينمو.

وقد أبقى الله تعالى هذا التمازج بين الجسد والروح سراً من أسرار حكمته كما قال جل في علاه: «ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً». ويستمر هذا التمازج حتى يحين الأجل فترتفع الروح إلى بارئها ويعود الجسد إلى طينته كما قال تعالى: «منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى». وعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، مر بالمدينة فرأى جماعة يحفرون قبراً فسأل عنه فقالوا حبشي قدم فمات فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا إله إلا الله سيق من أرضه وسمائه إلى تربته التي خلق منها».

وأحسن الشاعر حين قال:

مشيناها خطى كتبت علينا

ومن كتبت عليه خطى مشاها

ومن كانت منيته بأرض

فليس يموت في أرض سواها

فكل من الروح والجسد يعود إلى مصدره فيقال للروح: ارجعي إلى ربك، وأما الجسد فيدفن في التراب كما قال تعالى: «ثم أماته فأقبره»، فالإنسان من تراب الأرض نشأ، وعليها عاش وترعرع، ومنها تغذى ونما وكل عنصر في جسده له نظير في عناصرها كما قال مولانا جل وعلا: «والله أنبتكم من الأرض نباتاً ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا»، فعندما يموت الإنسان يتحلل ويرجع إلى التراب مرة أخرى وفي هذا موعظة وهدى وذكرى لأولي الألباب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrvsvszs

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"