عادي

الرحمة بالفقراء من أحب الأعمال

00:37 صباحا
قراءة 4 دقائق
1

جبر الخواطر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت.

وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب.

الرحمة بالفقراء والمساكين من الأعمال التي يحبها الله، سبحانه وتعالى، وشملت رحمة الرسول، صلى الله عليه وسلم، كل الفقراء، حتى أنه كان يُعطي كل ما يمكن إعطاؤه لهم، ويأمر أصحابه وأمته بالرحمة بالفقراء، وكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يحب الفقراء والمساكين، ويتألم لواقعهم، ويحزن لشدة فقرهم، ولم يبخل عليهم بما يملك من مال ومتاع الدنيا جبراً بخاطرهم.

من مواقف الرسول، صلى الله عليه وسلم، في «جبر خاطر» الفقراء، عندما طلب سادات العرب وأغنياؤهم من النبي، صلى الله عليه وسلم، أن ينحي عن مجلسه فقراء الصحابة، ترفعاً عن مجالستهم إذا جلسوا إليه، فنزل قوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) يعني الفقراء (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) يعني الأغنياء (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا) (سورة الكهف: الآية 28).

ومن أمثلة حب النبي، صلى الله عليه وسلم، للفقراء وتطييب خاطرهم، عندما جاءه رجل فقير بقدح مملوءة عنباً يُهديه له، فأخذ الرسول القدح وبدأ يأكل العنب، فأكل الأولى وتبسم، ثم الثانية وتبسم، والرجل الفقير يكادُ يطير فرحاً بذلك، والصحابة ينظرون، قد اعتادوا أن يشركهم رسول الله في كل شيء يُهدى له، ورسول الله يأكل عنبة عنبة ويتبسم، حتى أنهى القدح والصحابة متعجبون، ففرح الفقير فرحاً شديداً.

فسأله أحد الصحابة: يا رسول الله.. لِمَ لَمْ تُشركنا معك؟!، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: قد رأيتم فرحته بهذا القدح، وإني عندما تذوقته وجدته مُراً فخشيت إن أشركتكم معي أن يُظهِر أحدكم شيئاً يُفسد على ذاك الرجل فرحته، ما أرحمك يا رسول الله!، فلقد جبر بخاطر الفقير ولم يجرحه بكلمة أو حتى بتعبير وجهه. وكان صلى الله عليه وسلم يجبر بخاطر الطفل الفقير بالهدايا البسيطة أو الطعام، فتُدخل السعادة إلى قلبه.

ثم إن الأروع من ذلك أن الله، عز وجل، يحث المسلمين على فعل ذلك لا لشيء إلا لله، سبحانه وتعالى، فيقول: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) (سورة الإنسان: الآية 9).

وأيضاً عندما جاء فقراء المهاجرين مكسوري الخاطر. وقالوا: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلى، ويصومون كما نصوم ويتصدقون بفضول أموالهم. قال: أو ليس قد جعل الله لكم ما تَصّدقون؟ إن كل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهى عن المنكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة.

فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: (كنا عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في صدر النهار، فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار (يلبسون كساء من صوف مخطط)، فتغير وجه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما رأى بهم من الفاقة، فدخل وخرج، فأمر بلالاً فأذن وأقام، فصلى ثم خطب فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (سورة النساء: الآية1) فتَصَدّق رَجُلٌ من ديناره، أو من درهمه، أو من ثوبه، أو من صاع بره، أو من صاع تمره، حتى قال: ولو بشق تمرة، قال: فجاء رجل من الأنصار بصُرّةٍ كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت قال: ثم تتابع الناس، حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل فرحاً.

فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء). وفي هذا الموقف ظهرت لنا رحمة النبي، صلى الله عليه وسلم، ورأفته وشفقته بالمؤمنين؛ إذ تغير وجهه حُزناً على حال هؤلاء الفقراء من المسلمين.

ومن سمات الكمال التي تحلى بها نبينا، صلى الله عليه وسلم، خلق الرحمة و«جبر خاطر» الفقراء، وصدق الله تعالى في كتابه الكريم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} (سورة التوبة: الآية 128). وفي هذا الموقف كذلك ظهر تفاعل الصحابة، رضوان الله عليهم، مع أمر النبي، صلى الله عليه وسلم، وحثه لهم على الصدقة على إخوانهم الفقراء وجبر خواطرهم، فليس هناك من هو مثل الرسول، صلى الله عليه وسلم، في تلك العبادة العظيمة، وذلك الخلق الكريم، ألا وهو «جبر الخواطر»، فهو الأسوة الحسنة في كل خلق عظيم، وتحفل سيرته العظيمة الشريفة بالعديد من المواقف التي تكشف حرصه الكبير على «جبر الخاطر» لكل تعامل معه صلى الله عليه وسلم.

وفي ظل الأيام الصعبة التي يعيشها الفقراء في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فهم يحتاجون إلى «جبر الخواطر» لتكون لديهم القدرة على مواجهة الحياة. ومن صورها، تقديم الطعام للفقراء خاصة في رمضان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3mpupwjj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"