السعودية وإيران وتعايش الجغرافيا

00:51 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجي صادق شراب

تقدم العلاقات السعودية -الإيرانية أنموذجاً فريداً في العلاقات بين الدول يعكس تفسير نظريات العلاقات الدولية وأبرزها النظرية الواقعية والسلوكية ونظرية الدور والمكانة والمصالح القومية.

 فالعلاقات الدولية ليست ثابتة ولا تقوم على العداء التام، وليست زواجاً كاثوليكياً مقدساً. وهذا هو حال العلاقات بين إيران والسعودية. ما يجمع إيران والسعودية هو الانتماء لأهم إقليم جغرافي، والأكثر أهمية جيوسياسياً واقتصادياً واستهدافاً من قبل القوى الإقليمية والدولية. وهنا تلعب العوامل الجيوسياسية دوراً مهماً في تفسير الاتفاق الذي رعته الصين بين البلدين مؤخراً هذا الاتفاق. والقراءة السريعة للعلاقات التاريخية بينهما تؤكد غلبة الاتفاق على الاختلاف. فتاريخياً تعود العلاقات الدبلوماسية بينهما لعام1929، حيث تم افتتاح أول سفارة لإيران في جدّة. وبعدها تأرجحت العلاقات بين الاختلاف والاتفاق في أكثر من مرة. فساد التوتر في زمن حكم الشاه عام 1943 ثم عادت عام 1946، وأدى اعتراف إيران بإسرائيل للتوتر مجدداً، ثم بعد قرار بريطانيا الانسحاب من المنطقة واحتلال إيران للجزر الثلاث العربية التابعة للإمارات، ثم للتوافق بعد الوساطة المغربية وزيارة الشاه للسعودية. ولتبدأ العلاقات مرحلة جديده مع الثورة الإيرانية عام 1979 ليسود التوتر بسبب سياسات إيران الجديدة، وتم قطع العلاقات في 2016 جراء خلافات بسبب التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ومن بينها التدخل في اليمن وسوريا ولبنان والعراق، وصولاً إلى نجاح المبادرة الصينية الأخيرة في اتفاق البلدين على استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح السفارات في البلدين. وهنا نورد بعض الملاحظات الأولية على الاتفاق.

الملاحظة الأولى، أن هذا الاتفاق ما كان يمكن أن ينجح لولا التغير في السلوك السياسي والرغبة والدافع المشترك. فقد صرح ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبل عام لمجلة «ذي أنتلانتيك» بالقول:«إننا نعتبر إيران بمثابة جارة لنا وإن حل المشاكل يصب في مصلحة الطرفين إلا أنه يجب معالجة مخاوف المملكة الأمنية أولاً». 

 في هذا السياق هناك تحولات وتغيرات داخلية في البلدين تدفع للتوافق، فرؤية السعودية لعام 2030 والحاجة للاستقرار والأمن والرغبة في وضع حد للحرب في اليمن وغيرها. والاعتراف المتبادل بقوة الدولتين. ومن ناحية إيران تعاني من عقوبات واحتجاجات داخلية وإدراكها بقوة الدور السعودي ومكانته الإقليمية والدولية. 

 الملاحظة الثانية، أن الاتفاق ليس مثالياً فلا توجد اتفاقات مثالية في العلاقات الدولية وإنما تخضع لمعايير القوة والثقة المتبادلة والقدرة على حل المشاكل العالقة بالحوار والدبلوماسية، ويعزز ذلك في حال دولتين جارتين بحجم السعودية وإيران بالرغبة في الحوار والتواصل بداية لاحتواء الخلافات.

 الملاحظة الثالثة، تتعلق بالدور الصيني ذاته والعلاقات الاستراتيجية بين الصين وكل من إيران والسعودية التي تمثلت في لقاءات القمة التي قام بها الرئيس الصيني للسعودية. وهذه العلاقات دافعة للقبول بالدور الصيني، لما لها من دور وتطلعات عالمية وتأثير وعلاقات بدول المنطقة، فيما يتراجع الدور الأمريكي في المنطقة، أضف إلى ذلك حجم العلاقات الاقتصادية بين الصين والسعودية، حيث زاد حجم التبادل التجاري بينهما إلى أكثر من 70 مليار دولار، وزاد مع إيران لأكثر من 20 مليار دولار، إضافة إلى معاهدة الشراكة الاستراتيجية معها. لذلك فالدور الصيني تتوفر فيه كل مقومات النجاح.

الملاحظة الرابعة، لا يمكن أن نقلل من الدور الذي لعبه العراق وسلطنة عمان على مدار سنوات من حوار بين السعودية وإيران مهد البيئة للدور الصيني.

الملاحظة الخامسة، لا يمكن تجاهل تأثير الحرب الأوكرانية وتداعياتها على المنطقة، وما تشهده من توترات لا تعمل في صالح الدولتين والمنطقة. فالاتفاق انعكاس لبيئة إقليمية ودولية، ولم يعقد بعيداً عنها، لما للدولتين من وزن ودور، فإيران قوة إقليمية صاعدة والسعودية تحولت لدولة ذات قوة اقتصادية عالمية. ويبقى أن هذا الاتفاق خاطب حاجة الدولتين ويقوم على ركيزتين رئيسيتين تتوافقان مع رؤية الدور الصيني الجديد عالمياً وهو احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

 كل ذلك يترجم عودة العلاقات الدبلوماسية واستئناف الاتفاق الأمني لعام 2001. 

 أمام هذا الاتفاق تحديات كثيرة أبرزها القوة النووية وفلسطين واليمن، وتبقى الثقة هي المحك الرئيسي لنجاحه وهذا ما سيحكم المستقبل عليه. وأخيراً هناك قراءات أخرى للاتفاق تتعلق بتغيير السلوك السياسي ونجاح الدبلوماسية السعودية والتداعيات الإقليمية تحتاج منا لمزيد من التحليل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr3pkafp

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"