بين الهاتف الذكي والروبوت الذكي

00:50 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ندى أحمد جابر *

رسالة مفادها، دع العقل البشري يدخل في منطقة الكسل السعيد.. قادمون على إدمان جديد.

يقول العالم الكبير مارشال ماكلوهان: «الرسالة في الوسيلة». لقد انشغلنا بالمحتوى ونسينا الوسيلة. ومن هنا تبدو تلك النظرية القديمة أكثر وضوحاً اليوم وقد وقعنا في ما يُطِلق عليه الغرب «النوموفوبيا»؛ أي فوبيا فقدان «الموبايل». هل يمكنك أن تتخيل أنك في الصحراء مثلاً، وفجأة ينقطع شاحن الهاتف ماذا يحدث لك؟ أو تخيّل مثلاً أنك في بلد غريب تقضي إجازة سعيدة وفجأة تفقد هاتفك الذكي.. أي هلع يصيبك! هذا الخوف من فقدن الهاتف، أصبح الهاجس الذي يُطلق عليه مصطلح «النوموفوبيا». وللأسف معظمنا لا يستطيع الاستغناء عن هذا الصغير الذكي لدرجة أن بعضنا يستيقظ عليه، ومنا من ينام إلى جانبه خوفاً من اتصال يفوته.. 

وقعنا في فخ التعلق به.. وهو سعيد بنا وسعيد بذكائه، ويطور نفسه باستمرار لتبقى عزيزي القارئ في منطقة الخمول الفكري.. فالهاتف اليوم أصبح الأصبع السادس في يدينا، ليؤكد نظرية ماكلوهان «الآلة يخترعها الإنسان فتصبح امتداداً له». نعم هو مريح وجميل وذكي ولكن ألم نفقد الكثير من ذاكرتنا بسبب تفوقه الذكي؟ من منا يتذكر أرقام أصدقائه؟ هو تولى أمر التذكر عنا.. حتى إذا نسيت أحد الأسماء التي خزنتها وتحتاج إليها اليوم.. لا مشكلة أبداً. أكتب أول الحروف وسيقدم لك خيارات تذكّرك بما نسيت. الخلاصة: اترك ذاكرتك في منطقة الكسل المريح واعتمد عليه.

الهاتف أيضاً يُغنيك عن الواجبات الاجتماعية، يكفي أن تكتب تهنئة أو تعزية لصديق ولو جاءت على تطبيق من تطبيقات التواصل الاجتماعي تكون أجمل، ولا لزوم للخروج من المنزل. وهو أيضاً يساعدك من خلال تطبيقاته على اختصار كل ما تحتاج إليه.. آلة حاسبة.. محركات بحث.. حتى الرسائل التي تصل عبر الإيميل لا تتعب بفتح جهازك فهي موجودة في هاتفك، تقرأها وتجيب عنها، ولو أحببت أن تستيقظ في ساعة معينة لا مشكلة فقط أطلب منه ذلك وسيفعل. وبداخله كل التطبيقات التي برعت الشركات وعلى رأسها شركة «غوغل» بتأمينها لك. حتى الصحف تصلك بعد ساعات من صدورها على هذا الذكي المتأهب لخدمتك. من الطبيعي أن تدمنه وتخاف من فقدانه.

واليوم يأتينا الأكثر إبهاراً يتسرب من أسرار أودية السيليكون ليَعِدنا بروبوتات أكثر ذكاء من البشر، والحديث عن الروبوتات الذكية يطول. نكتفي بذكر روبوت الدردشة القادم ليُدخل العقل كله في منطقة كسل أكبر.. لا تتعب في كتابة مقال أو مقدمة لبرنامجك أو أي نص تحتاج إليه، زمن الروبوتات الذكية سيتولى الأمر عنك. هذه الثورة التي أحدثها «تشات جي بي تي» بنسخته الأولى، حيث شهد إقبالاً شديداً من مختلف فئات المجتمع وعلى رأسهم الطلاب طبعاً، وهو يملك اليوم أكثر من مئة مليون مستخدم. كلهم يبحثون عن الأذكى وهو يبحث عن الأرباح التي سيحققها من إدمانهم عليه (كلما بقي العقل في منطقة الكسل الخامل.. زادت أرباحهم)، هذا الروبوت الذكي وهو من فئة التطبيقات السهلة التحميل على الهاتف يطور نفسه ليخطف الأنفاس، خاصة بعد أن وجدت فيه شركة «مايكروسوفت» منافساً مهماً ل«غوغل»، فعملت على الاستثمار فيه لتعيدنا إلى محرك البحث «بينغ» الذي كاد يُنسى أمام محرك «غوغل». 

هذا الروبوت تطور ليريحك حتى من عناء الكتابة، حيث أضاف ميزة التخاطب فقط اطلب منه شفهياً سيرد عليك بما تحتاج إليه من معلومات. واليوم أعلن عن نسخته الجديدة «تشات جي بي تي 4»، يقولون إنه يستطيع أن يكتب لك رواية كاملة، كما تشاء وبأي لغة تختارها، ويستطيع التعرّف إلى الصور، يعني أنه يمكن أن ترسل له صورة فيصفها لك في صفحات. هل وجدت كم ستكون الحياة جميلة وسهلة ولا تحتاج إلى تفكير؟

علماً بأن أودية السيليكون تعمل على روبوتات تتفوق على البشر وبإمكانها أن تقوم بكل الأعمال البشرية وبكفاءة أكثر. ويبقى السؤال إلى أين ستذهب هذه التقنيات بالعقل البشري بعد أن يعتاد على منطقة الكسل الفكري المريح؟ 

الحقيقة أن الآلة تستطيع تخزين المعلومات وتَذّكرها بتفوق، وهذا تفوق «كمي»، أما لو تكلمنا عن الإبداع فالتفوق «النوعي» يبقى بشرياً. نذكر هنا مقولة ألبرت أنشتاين: «أخشى اليوم الذي ستتجاوز فيه التكنولوجيا تفاعلنا البشري. سيكون العالم أمام جيل من البلهاء».

الخوف على الجيل الذي ينمو في منطقة الكسل الفكري كيف سيكون مبدعاً؟

* كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yksf9b52

عن الكاتب

كاتبة وباحثة في الدراسات الإعلامية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"