عادي

تساؤلات حول شرعية التدخل الحكومي في أزمات البنوك العالمية

19:53 مساء
قراءة 4 دقائق
فقاعة تحيط بمقر دويتشه بنك في فرانكفورت (أ.ب)

تثير الأزمات المتتالية المرتبطة بالمصارف التي شهدها العالم في السنوات الماضية، وآخرها انهيار مصرفي كريدي سويس وسيليكون فالي، مع ما تتطلبه من تدخل حكومي، تساؤلات حول طريقة عمل البنوك التي تطرح أحياناً مخاطر بالغة على الاقتصاد. وواجه المصرف السويسري العملاق والبنك الأمريكي المحلي، انتقادات شديدة لسوء إدارتهما باعتباره عاملاً فاقم مشكلاتهما.

وأثار انهيار المصرفين هلعاً في قطاع المصارف والأسواق المالية ومخاوف من أن تنعكس التبعات على الاقتصاد العالمي في وقت يعاني تضخماً حاداً وتباطؤاً في النمو. وبعد أسبوعين على أول الاضطرابات، أقر رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي جيروم باول الأربعاء بمخاطر «تشديد شروط الإقراض للأسر والشركات» في وقت رفع البنك المركزي معدلات الفائدة بفارق كبير للتصدي للتضخم، ما تسبب بتباطؤ الاقتصاد.

  • سوق العمل والتضخم

وحذر باول بأن ذلك قد «يلقي بثقله على الطلب وسوق العمل والتضخم»، فيما حذرت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد في اليوم نفسه من «مخاطر تراجع جديدة» في ظل اقتصاد هشّ بالأساس.

غير أن الوضع لا يزال بعيداً عن العاصفة التي أعقبت انهيار مصرف ليمان براذرز العملاق الأمريكي قبل 15 عاماً.

وعلى ضفتي الأطلسي توالت رسائل القادة السياسيين؛ بهدف تطمين الأسواق، بأن القطاع المصرفي في أوروبا وأمريكا متين وقادر على التعامل مع الصدمات.

وسعى الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى طمأنة المستثمرين بعدما تسببت الاضطرابات الأخيرة في القطاع المالي بتراجعات حادّة في البورصات العالمية، مؤكّداً أنّ «المصارف على ما يرام». وخلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، قال بايدن: إنّ «البنوك على ما يرام. أعتقد أنّ الأمر سيستغرق بعض الوقت حتى تهدأ الأمور، لكنّني لا أرى في الأفق أيّ شيء على وشك الانفجار».

وللمرة الرابعة في أسبوع، تحدثت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين، الخميس لطمأنة المواطنين بأن النظام المصرفي الأمريكي آمن، قبل أن تترأس، الجمعة، اجتماعاً مغلقاً لمجلس مراقبة الاستقرار المالي، والذي يضم رؤساء مجلس الاحتياطي الاتحادي والمؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع وهيئة الأوراق المالية والبورصات وهيئات تنظيمية أخرى.

ولم يرشح عن الاجتماع أي تفاصيل حول جدول عمل الاجتماع، الذي يأتي بعد أسبوعين من إغلاق الجهات التنظيمية بنك سيليكون فالي الذي أعقب انهياره أزمة في القطاع المصرفي. ويعقد المجلس اجتماعات دورية لمناقشة وضع الاستقرار المالي والقواعد المالية في الولايات المتحدة.

وقالت يلين للمشرعين الأمريكيين الخميس: إن الجهات التنظيمية للبنوك ووزارة الخزانة مستعدة لتقديم ضمانات شاملة على الإيداع في البنوك الأخرى كما فعلت في بنك سيليكون فالي وبنك سيغنتشر.

  • تهدئة أوروبية

وفي أوروبا التي شهدت هبوطاً حاداً في أسهم البنوك، مطلع الأسبوع وبنهايتهن أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجمعة خلال قمة أوروبية في بروكسل أن «الركائز الأساسية للمصارف الأوروبية متينة» مشيداً بتعزيز الضوابط على المصارف الأوروبية بعد أزمة 2008. وقال الرئيس الفرنسي: إن البنوك الأوروبية في حالة «قوية» حتى مع تراجع أسهم البنوك الرئيسية في المنطقة بشكل حاد. وأضاف ماكرون في مؤتمر صحفي في بروكسل «البنوك الأوروبية قوية».

من جهته أشاد المستشار الألماني أولاف شولتس بـ«استقرار» النظام المصرفي في وقت تلوح بعض المشاكل بشأن دويتشه بنك.

كذلك، قالت رئيسة وزراء إيطاليا جورجا ميلوني، إنها لا تعتقد أنه يوجد أي «مبعث قلق محدد» إزاء الاستقرار الاقتصادي في أوروبا؛ وذلك حينما سئلت عن الأزمة التي عصفت بقطاع البنوك ودويتشه بنك بالتحديد. وقالت للصحفيين عقب قمة للزعماء الأوروبيين في بروكسل «أسس المنظومة متينة».

  • انعكاسات دائمة

لكن وكالة موديز للتصنيف الائتماني حذرت في مذكرة الأربعاء من «خطر ألا يتمكن (القادة) من وقف الاضطرابات الحالية من غير أن تكون لها انعكاسات دائمة وقد تكون بالغة على القطاع المصرفي وأبعد منه»، مراهنة على الرغم من ذلك على تهدئة الوضع.

فالسلطات سخرت وسائل كبرى فور ظهور بوادر المشكلة، فأعطت الإدارة الأمريكية ضمانات ضمنية لجميع المودعين في المصارف، فيما وفرت الحكومة السويسرية عدة ضمانات لمصرف «يو بي إس» من أجل الاستحواذ على «كريدي سويس».

وإن لم يكن هذا التدخل بمنزلة إنقاذ، فهو أثار تساؤلات. وقال إريك دور مدير الدراسات الاقتصادية في معهد التجارة IESEG: إن «المطالبة بتدخل السلطات العامة تتزايد» بفعل المخاوف من أن تتحول أزمة مصرفية جديدة إلى أزمة اقتصادية.

وهذا يطرح أيضاً سؤالاً أوسع نطاقاً حول شرعية تدابير الدعم العام في حين أن الأزمات المصرفية في الأغلب تكون ناجمة عن مشكلات إدارية.

  • مملة وتنطوي على مفارقة

وقال نيكولا فيرون الباحث في معهد بيترسون للدراسات في واشنطن لوكالة فرانس برس «بودنا لو لم تكن لدينا مصارف، تلك الهيئات المملة والتي تنطوي على مفارقة، وهي ليست مؤسسات عامة فعلياً، ولا شركات خاصة حقاً».

وتابع: «الواقع أننا لم نجد نظاماً أفضل، ما زلنا في مساحة وسطية، بين تأميم النظام المصرفي ونظام لا يحظى بأي ضمانة من الدولة نعرف بيقين أنه يقود إلى انعدام استقرار مدمر تماماً على المستوى الاجتماعي».

وهذا ما أثار دعوات كثيرة في الأيام الماضية من أجل تشديد الضوابط على المصارف، سواء من جيروم باول أو جوزف ستيغليتز الحائز جائزة نوبل للاقتصاد أو حتى المعلق النافذ في صحيفة فاينانشل تايمز مارتن وولف الذي دعا إلى اعتبار المصارف بمنزلة «خدمات عامة».

وقال في مدونة صوتية للصحيفة «إذا نظرنا إليها بهذه الصورة، فلا حاجة عندها لأن تكون مربحة جداً، عليها أن تعتمد رسملة تسمح لها بالاستمرار في المراحل الصعبة، لأن هذا أفضل ما يمكن أن تقوم به».

ويدور جدل موازٍ حول احتمال الاحتفاظ بأموال المودعين من أسر وشركات مباشرة لدى المصارف المركزية.

عندها لا يعود بإمكان المصارف الوصول إلى ودائع الأفراد والشركات، ما يبدد مخاطر هرع المودعين لسحب أموالهم كما حصل في الأزمة الأخيرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3t7r6kxd

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"