عادي
تحقيق أمريكي يشمل البنكين حول مساعدة لأثرياء روس

«ملاذ الأثرياء».. سويسرا تسارع الزمن لوقف نزيف الثقة

20:06 مساء
قراءة 5 دقائق
أحد المارة أمام شاشة تعرض مؤشر السوق السويسري في زيورخ (رويترز)

لم يكن سهلاً قرار سويسرا التخلَّي فعلياً عن مبدأ السرية المصرفية، بعد الأزمة المالية العالمية قبل 15 عاماً، وهو المبدأ الذي لطالما تلقى هجمات من قبل الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة وألمانيا، التي اتهمت بنوك سويسرا بمساعدة مواطنيها على التهرّب من الضرائب.

ومع أن القوانين السويسرية تحظر الاختلاس الضريبي، وتفرض في مقابله غرامات صارمة، إلا أنه يتوفر منذ عام 1934 على حصانة بموجب القانون الفيدرالي الخاص بالبنوك، والذي لا يسمح للسلطات الضريبية بالتعدّي على السرية المصرفية من أجل الوصول إلى البيانات الخاصة بالعملاء المشتبه فيهم.

ومنذ 2009، وافقت مصارف سويسرا وعلى رأسها «يو بي إس» على تسليم تفاصيل حسابات آلاف العملاء الأثرياء المتهمين بالتهرب الضريبي، الأمر الذي سعت سويسرا الدولة على العمل لتقليل تأثيره في قطاعها المصرفي، إلى أن بدأت أزمة «كريدي سويس» ثاني أكبر مصرف في البلاد وأحد أكبر 30 مصرفاً حول العالم بالتدحرج.

وفيما موجة الاهتزازات التي طالت القطاع المصرفي العالمي منذ الانهيار المفاجئ لاثنين من البنوك الإقليمية الأمريكية هذا الشهر، تثير قلق صنّاع السياسات، فإن سويسرا، منكبّة على إنجاز ما بدأته؛ لا بل وتسريع المهمة لضمان تقليل التأثير السلبي لاستحواذ بنك «يو.بي.إس» بضغط حكومي صريح على «كريدي سويس»؛ حيث إن عامل الوقت يعني المزيد من نزيف الثقة.

ووفقاً لمصدرين مطلعين، تتسابق السلطات السويسرية وبنك «يو.بي.إس» على الانتهاء من عملية الاستحواذ في غضون شهر، في محاولة للاحتفاظ بعملاء وموظفي «كريدي سويس».

وقالت مصادر منفصلة ل«رويترز»: إن «يو.بي.إس» تعهد بصرف حوافز إضافية لموظفي إدارة الثروات في «كريدي سويس» في آسيا، لوقف هجرة الموظفين المهرة.

وخفضت مجموعة «جيفريز» للسمسرة توصيتها بشأن سهم «يو.بي.إس» إلى «احتفاظ» من «شراء»، قائلة: إن الاستحواذ على منافسه السابق سيغير وضع أسهم البنك، التي كانت تستند إلى انخفاض مستوى المخاطر والنمو الأساسي وعوائد رأس المال المرتفعة.

وذكرت «كل هذه العناصر، التي اشترى مساهمو «يو.بي.إس» الأسهم على أساسها، قد ولت، وربما لسنوات».

وبشكل منفصل، أفادت «بلومبيرغ» بأن بنكي «كريدي سويس» و«يو.بي.إس» من بين بنوك خاضعة للتدقيق في تحقيق تجريه وزارة العدل الأمريكية حول ما إذا كان متخصصون ماليون قد ساعدوا الأثرياء الروس على التهرب من العقوبات.

مخاوف أوسع

وأثار إنقاذ بنك كريدي سويس مخاوف أوسع بشأن تعامل المستثمرين مع قطاع مصرفي هش. وهز قرار إعطاء الأولوية للمساهمين على حساب حملة السندات من المستوى 1 الإضافي (إيه.تي1) سوق هذه السندات التي تبلغ قيمتها 275 مليار دولار.

والهدف من هذه السندات القابلة للتحويل هو اللجوء إليها خلال عمليات الإنقاذ، لمنع تحميل دافعي الضرائب تكاليف عمليات الإنقاذ.

وفي إطار الاتفاق مع «يو.بي.إس»، أصرت الهيئة التنظيمية السويسرية على إلغاء سندات «كريدي سويس» من المستوى 1 الإضافي (إيه.تي1) بقيمة اسمية 17 مليار دولار مما أدى إلى إصابة أسواق الائتمان العالمية بالذهول.

الفرنك السويسري

وعلى صعيد العملة، لم يرقَ الفرنك السويسري إلى مستوى سمعته كملاذ آمن خلال انهيار بنك «كريدي سويس»؛ حيث سعى المستثمرون إلى البحث عن ملاذ في مكان آخر، مما أدى إلى زيادة قيمة الذهب في خزائن السبائك السويسرية أكثر من عملتها. وتخلص مديرو الأموال من الفرنك السويسري بأسرع معدل خلال عامين الأسبوع الماضي في الفترة التي سبقت الاستحواذ الدراماتيكي على «كريدي سويس» من قبل «يو بي إس».

وخسر الفرنك السويسري، الذي يستخدم في الأغلب كملاذ في أوقات ضغوط السوق أو التقلبات، 0.9% مقابل الدولار في أسبوع، بعد أن قالت وزارة المالية السويسرية: «إن المنظمين كانوا يراقبون الوضع عن كثب في كريدي سويس في 13 مارس/ آذار».

وفي نفس الوقت، ارتفع الين الياباني، الذي يُنظر إليه أيضاً على أنه ملاذ في أوقات الاضطرابات، بنسبة 2.6% مقابل الدولار. كذلك، ارتفع الذهب، الملاذ الآمن التقليدي الآخر، بأكثر من 5% في الأسبوع الذي تلا 13 مارس/ آذار، إلى ما يزيد على 2000 دولار للأوقية، وهو أعلى مستوى له منذ أكثر من عام، في حين شهدت السندات الحكومية بعضاً من أكبر تدفقاتها منذ عقود.

تطورات القطاع

وقالت كريستين كوندبي نيلسن، محللة العملات الأجنبية في بنك دانسكي: «يتعلق الأمر بالتأكيد بالتطورات في القطاع المصرفي، عن سبب عدم قوة الفرنك». وأضافت: «لا يزال لديك بعض ممتلكات التحوط الآمنة بالفرنك السويسري، لكن الأمر لا يتطلب الكثير إلا عندما ينتهي الأمر بتركز المخاطر في الاقتصاد السويسري والقطاع المالي السويسري».

وأضاف المضاربون أكثر من 800 مليون دولار إلى مراكزهم الهبوطية على الفرنك السويسري في الأسبوع المنتهي في 21 مارس/آذار، وفقاً لبيانات لجنة تداول السلع الآجلة، وهو أكبر عدد في أسبوع واحد منذ أوائل مارس/ آذار 2021.

ونظم البنك الوطني السويسري صفقة بقيمة 3 مليارات دولار لبنك «يو بي إس» لشراء منافسه «كريدي سويس»، مدعوماً بضمان ضخم يصل إلى 260 مليار دولار، وهو ثلث الناتج الوطني للبلاد، في دعم الدولة والبنك المركزي.

وقال فرانشيسكو بيسول، محلل أسواق العملات في «آي إن جي»: «لو لم يكن بنك كريدي سويس، لكان أي بنك أوروبي آخر يواجه مشكلة، كنت سترى الفرنك السويسري يرتفع بشكل حاد لأنه كان سيصبح الملاذ الآمن للمخاطر الأوروبية».

ووجدت الأبحاث التي أجراها البنك الوطني السويسري في عام 2016 أنه في الأزمات السابقة، كانت التدفقات إلى سويسرا والفرنك مدفوعة بضعف في أماكن أخرى.

رهانات صعودية

وتُظهر بيانات العقود الآجلة أن المضاربين وضعوا الأموال في رهانات صعودية على الفرنك السويسري بعد انفجار فقاعة الدوت كوم في أوائل عام 2000، بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول في عام 2001، ومرة أخرى في عامي 2008 و2011-2012، خلال أزمة الديون في منطقة اليورو ومرة أخرى خلال أزمة «كوفيد -19».

وأثناء انهيار «ليمان براذرز» في عام 2008، كان صافي التدفقات الداخلة مدفوعاً ب «تقليص كبير» في السوق المحلية من قبل البنوك السويسرية، بينما في الأزمة المصرفية في منطقة اليورو منذ منتصف عام 2011، وجد البنك الوطني السويسري أنه يتحرك بعيداً عن اليورو إذا كان الفرنك مدفوعاً بنقل البنوك الأجنبية الأصول من فروع منطقة اليورو إلى فروعها السويسرية.

وقال مايكل كاهيل، كبير محللي العملات الأجنبية في «غولدمان ساكس»: «الإعداد الحالي لا يجادل في أي من هذين الأمرين. تم احتواء ضغوط البنوك الأمريكية في البنوك الإقليمية، ولم تتأثر بنوك منطقة اليورو حتى الآن بأذى نسبياً». وأضاف: «الفرنك ليس ملاذاً آمناً في جميع الأحوال الجوية، وحتى الآن لم نواجه ضغوط السوق التي من شأنها أن تؤدي عادة إلى رفع قيمة الفرنك».

وفقدان الفرنك لبعض تفضيله بين المستثمرين خلال أزمة تركزت على سويسرا شيء، لكن الإشارة إلى أن أيامه كملاذ آمن باتت معدودة يعد شيئاً آخر تماماً. ولكي يفقد الفرنك السويسري مكانته كملاذ آمن، يقول محللو العملات الأجنبية في باركليز: إن هناك حاجة إلى إجراء «تغييرات جوهرية» في الميزانية العمومية للبلد، مع ضرورة انخفاض حصة الأصول السويسرية في الخصوم الخارجية إلى تدفقات «كبيرة ومستدامة».

زيادة أسعار الفائدة

وقال المحللون الاستراتيجيون في «باركليز فوركس» بقيادة ليفتيريس فارماكيس: «سيؤدي ذلك إلى زيادة أسعار الفائدة المحلية، وبالتالي زيادة العائد على سداد الالتزامات الخارجية لسويسرا وزيادة التأثير في فارق العائد في البلاد». وأضاف فارماكيس: «في مثل هذا السيناريو، من المرجح أن يحاول البنك الوطني السويسري تسهيل الانتقال من خلال تخفيف تدفقات رأس المال الخارجة».

ويشير محللو «باركليز» إلى أن «احتمالات حدوث حلقة توقف مفاجئ منخفضة للغاية على الرغم من الاضطراب المصرفي الحالي، ولكن السؤال الأكثر صعوبة هو ما إذا كانت الثقة في النظام المالي قد تآكلت لدرجة أن حلقة الحرق البطيء، ربما تكون قد بدأت». وأضافوا: «لحسن الحظ، فإن لهذا السيناريو تداعيات محدودة على الفرنك في المستقبل المنظور».

(وكالات)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/munzrdeb

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"