العالم المأزوم يتغير

01:17 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

تراوحت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال زيارته إلى كندا، بين الطمأنة والتحذير والارتياح والانزعاج حيال القضايا والأزمات الراهنة، بدءاً من الاضطرابات الأخيرة في القطاع المالي ومكافحة الهجرة غير الشرعية، وصولاً إلى الملفات الأكثر خطراً وتعقيداً وأهمهما الحرب في أوكرانيا والعلاقات الأمريكية المتوترة مع كل من روسيا والصين، ومواضيع الطاقة والتضخم، ومشاكل دول الاتحاد الأوروبي المتصاعدة بفعل تداعيات كل الأزمات مجتمعة.

لقد عكست تعليقات بايدن، في المؤتمر الصحفي مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، حالة القلق العامة التي تسود النظام الدولي في هذه المرحلة. والولايات المتحدة، باعتبارها القوة الأولى والمسؤولة عن الأمن والاستقرار في العالم، بحسب قادتها، باتت ترى نفسها في مأزق يتسع من مرحلة إلى أخرى في ظل توازنات دولية تختل وتحديات تتراكم في شتى المجالات، وضبابية تلف مصير التحالفات العابرة للمحيطات، سواء ما تعلق منها بحلف شمال الأطلسي أو التحالفات التي تشكلت في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مثل تحالف «أوكوس» مع أستراليا وبريطانيا وتفاهمات أمنية مع دول أخرى. وتعكس هذه الظاهرة أن التوتر قد بلغ أشده، وأن احتمالات الصدامات الكبرى باتت تقترب، وربما هذا ما دفع الكونغرس إلى الموافقة على موازنة دفاع تاريخية تتجاوز 800 مليار دولار ستخصص لتحديث القوات في آسيا، على وجه الخصوص، لمواجهة ما تعتبره واشنطن تهديداً صينياً، لاسيما في ظل التقارب الكبير الذي يجمع بكين وموسكو، وأكدته القمة الأخيرة بين الرئيسين شي جين بينغ وفلاديمير بوتين.

كل ما يجري يدل على وضع دولي مأزوم، وعلى تغيرات جذرية تتشكّل بفعل الأزمات والصراعات والمخاوف، وهو أمر بات مفروغاً منه، ولن تمنعه حشود التحالفات والقوات العسكرية، ومحاولة عزل هذا الطرف أو ذلك، وهي السياسة التي تسير فيها الإدارة الأمريكية الحالية، قناعة منها بأن الصين وروسيا تتآمران عليها، وتسعيان إلى الإطاحة بها، ولكن هذا التوجه لن يدوم طويلاً، فأغلب حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، الذين أنهكتهم الحرب في أوكرانيا بسبب الدعم العسكري والمالي لكييف، يخالفونها الموقف ويأملون في التواصل مع بكين وموسكو، لإيجاد صيغ للتعايش تحقق الاستقرار العالمي وتخفف من التوترات الراهنة.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تعاني بلاده أزمة اجتماعية غير مسبوقة جراء الخلاف حول إصلاح نظام التقاعد، يتمسك بالحفاظ على الحوار مع الصين، وسيعمل، خلال زيارته لها الشهر المقبل، على تشجيعها للعب دور فاعل في حل الأزمة الأوكرانية، وذلك في ظل أصوات أوروبية عبّر عنها أكثر من مسؤول تطالب بضرورة أن يستمع العالم لصوت الصين من أجل إيجاد تسوية للحرب في أوكرانيا. 

هذه المواقف الأوروبية تعاكس الموقف الأمريكي الذي سخر من المبادرة الصينية في أوكرانيا، بحجة أنها منحازة إلى روسيا. وفي ظل الخيارات، التي بدأت تضيق، فليس هناك من سبيل لحل أزمات الولايات المتحدة والدول الأوروبية غير تفعيل القنوات الدبلوماسية والحوار حول كل شيء؛ لأن التغيرات حدثت والعالم لم يعد كالسابق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mvfj5hnd

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"