الفقد

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

سأخبرك سراً تعرفه وأعرفه، الفقد أيّاً كان نوعه ألم لا يوصف، وغصة في القلب محرقة، إن كنت فقدت عزيزاً، أو فقدت ثميناً، أو فقدت مشاعر كنت تتوق لها، الفقد هو الانسلاخ أحياناً من إحساس السكينة وورود موارد موجعة تحرق القلب، وقد تقتله، فأي الفقد أصعب، فقد إنسان أم فقد الأمن والأمان، أم فقد حاجة مادية، أم فقد الوطن، أم فقد الرفيق، أم فقد الصديق، أم فقد السعادة، أم أن كل هذا لا يساوي شيئاً عند فقد الله؟
الله جلّ في علاه يختبرنا بأحبّ الأشياء إلى قلوبنا، يبتلينا بالفقد، ويخبرنا في الوقت ذاته أن كل شيء زائل إلّا وجهه، وأن الفقد باب للعودة إليه، والتضرع له والحديث معه، قد نفقد في لحظة أقرب إنسان في حياتنا، فنتوهم لمدة أننا لن نستطيع أن نعيش، أو نتنفس، أو حتى أن نخرج منها، يبقى الحزن زمناً ويبقى شعور الفقد أبداً، قد يخفّ لكنه لا يزول ولا يخرج من دواخلنا، فيكون الله هو الملجأ والملاذ، حتى لا يصيبنا الجنون ولا تنتهي حياتنا كمداً وضيقاً. 
الفقد يا صاحبي ليس أمراً سهلاً، بل جلل لا يحتمل، قد نتسابق في هذه الدينا في كل شيء، وفي لحظة الفقد نتوقف قليلاً ونقول: «هل يستحق كل هذا الصراع والمزاحمة وإيذاء أحد؟ هل يستحق الخصومة والألم وأن تفتح أبواب جهنم في لحظة غضب؟ هل يستحق أن يظلم أحدهم فيفقد أمانه وسلامه؟ هل ندرك أننا في لحظة الفقد نخسر عظيماً ولا ينفعنا ادعاء أن شيئاً لم يكن؟!
حين تفقد أباً وأماً، فأنت في يتم لا يزول، ووحدة موحشة وحزن مؤلم، فتعود إلى الله، لتجد عنده الأمان المفقود والهدوء المرجوّ، والطمأنينة المريحة، تجد أن الدنيا بكل ما فيها لا تساوي سجدة في سواد الليل، والناس نيام تبكي وترجو وتناجي وتصارحه، وتخبره دون تردد أو خوف. الفقد درس يعلمك أن الله ينتظرك، يشتاق إليك، ويخبرك أنه لا مكان لإنسان أو مشاعر أو أشياء أمام رحمته وعزته وملكوته.
 الفقد العاطفي قاسٍ أيضاً، حين ترجو من أحد أن يكون في حياتك، ساعاتك ووقتك وجلّ عمرك أميناً عليك، وفياً، مدركاً قيمتك فتتحطم عند رحيله أو أول بادرة انسحاب، لتجد أن الدنيا ضاقت بك، وضاق صدرك بما لا يحتمل، حينها يأتيك الجبر من فقد مؤلم، ويعوّضك الله فتنسى الحزن والبكاء وليالي السهر وقلة الإدراك. الحياة يا صاحبي لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وكل شيء زائل، ويبقى قلبك موطن كل شيء فعلّقه بالله، فالله باقٍ لا يفقد ولا يرحل، والله من فوق سبع سماوات ينظر إليك ويسمعك، فأكثر العودة ولا تكن في فقد الملائكة مذكوراً، اسجد واقترب، ناجِ وابتهج، والله لن يخذلك؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ypbutv8k

عن الكاتب

مؤلفة إماراتية وكاتبة عمود أسبوعي في جريدة الخليج، وهي أول إماراتية وعربية تمتهن هندسة البيئة في الطيران المدني منذ عام 2006، ومؤسس التخصص في الدولة، ورئيس مفاوضي ملف تغير المناخ لقطاع الطيران منذ عام 2011

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"