عادي

دعم المهمومين والضعفاء التماس لعون الله

00:05 صباحا
قراءة 4 دقائق

جبر الخواطر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت.

وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب.

بَيّن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلّم، أن أحب الأعمال إلى الله عزّ وجل، فرحة تدخلها على أخيك المسلم، كتفريج همّه وكربه، و«جبْر خاطره» بالوقوف بجانبه ومساعدته، فعن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما: (إن رجلاً جاء إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحبّ إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربه، أو تقضى عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً)، فعلّموا أولادكم أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن «جبر الخواطر» أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما رد سائلاً قط، بل كان يرشد الصحابة للحل، ويدلهم على الطريق، ويطيّب خاطرهم، فقد دخل عليه الصلاة والسلام ذات يوم المسجد، فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: «يا أبا أمامة، مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لزمتني، وديون يا رسول الله، قال: أفلا أُعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك، وقضى عنك دينك، قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت، وإذا أمسيت: اللهم أنى أعوذ بك من الهم، والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال لا إله إلا أنت. قال أبو أمامة: ففعلت ذلك، فأذهب الله عز وجلّ همي وقضى عنى ديني.

وعن جابر بن عبد الله قال: لقيني رسول الله عليه وسلم، فقال لي: يا جابر: مالي أراك منكسراً، قلت: يا رسول الله: استشهد أبي - قُتل يوم أحد وترك عيالاً ودَيناً، قال صلى الله عليه وسلم، أفلا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، وأحيا أباك فكلمه، فقال: يا عبدي تمنّ علي أعطك. قال: يا ربّ تحييني فأقتل فيك ثانية، قال الله عز وجل إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لجابر هل عندك شيء؟ قال بعض من التمر. فطلب منه رسول الله أن يأتي بكل ذي دَين عنده، فدعا جابر أصحاب الدَين عنده، ووضع النبي صلى الله عليه وسلم يده الكريمة على التمر ودعا، ثم ظل ينادي على كل صاحب دين وأعطاه منه وسدد دَين جابر بن عبد الله و«جبر بخاطره»، وطيب نفسه، وزال عنه همه.

وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم يُطَيِّب خواطر هؤلاء الذين أثقل كاهلهم الدين، ولا يجدون ما يواجهون به مهمات الحياة. لذا كان الحديث من أسباب نزول هذه الآية قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 169-171). ولابد من استثمار موقف الضعف عند العبد، لربطه بالله وحده.. فهو سلوة المنكوبين.. وملاذ المنكسرين.. وهو الذي يملك كشف الضر.. (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ) (سورة النمل: الآية 62).. وتذكيره بالثواب العظيم لأهل البلاء، كما جاء عن أبى هريرة وأبى سعيد رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا همّ، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه».

فمن أجمل فضائل «جبر الخواطر»، أنها وسيلة للوصول إلى رحمة الله في الدنيا والآخرة، فقد جاء في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «من يسّر على مُعسر، يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة»، وأيضاً «الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه». وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فَرّج عن مسلم كُربة من كرب الدنيا فرّج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة). وقد بشّر صلى الله عليه وسلم من استدان أموال الناس وهو ينوي أداءها، فقال صلى الله عليه وسلم: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله) رواه البخاري. فالله عز وجل في عون العبد إذا كان قد أخذ الديون بنية إرجاعها، فإن مات ولم يوف أدى الله عنه في الآخرة.

وأخيراً: فدعم وتطييب خاطر الإنسان الحزين المحبط لتشجيعه وإعطاؤه الأمل والتفاؤل من سنّة نبينا عليه الصلاة والسلام، وفي هذا الزمان تشتد الحاجة إلى مواساة الناس، والتخفيف عنهم، وتطييب خاطرهم، ومساعدتهم بالأقوال والأفعال.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/53s78d2s

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"