هل هي مجرد قواعد تنظيمية مَعيبة؟

22:25 مساء
قراءة 3 دقائق

محمد الصياد*

في كتابه «السقوط المدوي.. الأسواق الحرة وغرق الاقتصاد العالمي» (FREE FALL: Free Markets and the Sinking of the Global Economy)، يكرر الاقتصادي الأمريكي النوبلي، جوزيف ستيجليتز، استخدام مفردة «مَعيبة» (Flawed) لتوصيف الاختلالات الإدارية والرقابية التي اعترت أداء وعمل السلطات التنظيمية (Regulators) في الولايات المتحدة، والتي طالت عمل القطاعين المالي والمصرفي، وتسبّبت في اندلاع الأزمة المالية في الولايات المتحدة (سرعان ما تحولت إلى أزمة مالية واقتصادية عالمية) صيف عام 2008.

اليوم وبعد مرور خمسة عشر عاماً على تلك الأزمة، وثلاثة عشر عاماً على صدور كتاب السقوط، تشاء الصدفة أن أخط مقدمة الطبعة الثانية من ترجمة الكتاب الذي نشرته الدار العربية للعلوم (ناشرون) في بيروت في يوليو/تموز 2021، في الوقت الذي نشهد فيه معاً، تكراراً لسيناريو أزمة 2008 تقريباً، والذي بدأ عام 2007 بأحداث مشابهة لما نشهده اليوم في الولايات المتحدة. كان بير ستيرنز «Bear Stearns Companies, Inc»، أحد أكبر بنوك الاستثمار والمضاربة في أمريكا. في نهاية عام 2007، كان البنك على حافة الانهيار نتيجة خرقه لقواعد المحاسبة القانونية الأساسية، بتجاوز خصومه «Liabilities»، أصوله «Assets»، أو حقوق ملكية مساهمية. ما أدى إلى بيعه ك«خردة» على «جي بي مورغان» في مارس/آذار 2008 (بسعر 10 دولارات للسهم، بعد أن كان سعر سهمه 133 دولاراً قبل 52 أسبوعاً من انهياره)، بسبب تورطه في المضاربة الفاسدة في مشتقات الرهن العقاري. ولكأن بنك «ليمان براذرز» كان في تلك الساعة ينتظر على أحرّ من الجمر أية إشارة سلبية صادرة من السوق عموماً ومن القطاع البنكي خصوصاً، كي يُعلن «إشعاله الحريق في الطوابق العلوية من مبنى النظام البنك المصرفي»، مؤذناً بتساقط قطع الدومينو من بعده الواحدة تلو الأخرى، لتعمّ الفوضى المالية في العالم بأسره.

مرة أخرى، تتم الاستعانة بالتدخل الحكومي (الكينزي) «لتصحيح» عمل الأسواق التي يقول أنصار مذاهب التحرير الكامل للأسواق، بأنها تصحّح نفسها بنفسها، بمساهمة أموال دافعي الضرائب لإنقاذ البنوك متوسطة الحجم المتدهورة ومودعيها، كما هو حال بنك وادي السيليكون، وبنك سيجنتشر في نيويورك اللذين أدارا بجشع مستويات المخاطر لديهما، ما أدى إلى إغلاقهما. فيما قامت المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع (FDIC)، بتجاوز سقف التأمين البالغ 250 ألف دولار لكل حساب، وضمّنت جميع الودائع، بغض النظر عن حجمها، بما فيها تلك التي يملكها الأثرياء والشركات، وذلك من أجل امتصاص حمى الفزع والذعر والتهافت على سحب الودائع من البنوك.

وما أعاد فتح الباب من جديد لمثل هذه الممارسات «المعيبة»، هو تشريع التحرير «Deregulation» الذي وضعه وأيّده أعضاء الكونجرس من الحزبين عام 2018، والذي سمح بمثل تلك الممارسات الطائشة في إدارة المخاطر الاستثمارية في القطاع البنكي، بما في ذلك إلغاء متطلبات السيولة لضمان تقديم القروض الكبيرة. كما يتحمل الاحتياطي الفيدرالي بعض المسؤولية برفعه بصورة متواترة وسريعة لأسعار الفائدة، ما أدى إلى خفض قيمة أصول حيازات هذين البنكين في سندات الخزانة طويلة الأجل وخفّض بالتالي احتياطيات رؤوس الأموال الخاصة بهما. ومع ذلك وجدت إدارة بنك وادي السيليكون الوقت الكافي لصرف مكافآت لقيادات البنك المسؤولة عن إدارتها الفاسدة لأصول البنك. فحصل الرئيس التنفيذي للبنك، جريجوري بيكر، على ما يقرب من 11 مليون دولار.

الأزمة التي يتعرض لها القطاع المصرفي الأمريكي جدية، بدلالة الاجتماع الذي سارع إلى عقده كبير مضاربي الأوراق المالية في البورصات الأمريكية والعالمية، الملياردير الأمريكي المعروف وارن بافيت مع كبار مسؤولي إدارة الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض يوم السبت 18 مارس 2023، بحسب ما نقلت وكالة أنباء رويترز. قبل فترة وجيزة من انهيار بنك وادي السيليكون، كانت شبكة أبحاث العلوم الاجتماعية «Social Science Research Network»، وهي مجلة ومكتبة إلكترونية ومحرك بحث – قد نشرت دراسة أشارت فيها إلى أن 186 بنكاً أمريكياً قد تنهار إذا قام نصف المودعين بسحب أموالهم فجأة. وبحسب السيناريو الذي وضعه الباحثون في هذه الشبكة، بناءً على تعريض كل بنك، افتراضياً، لصدمة سحوبات فجائية، فقد خلصوا إلى أن الأموال التي بحوزة المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، سوف تنفد.

* خبير اقتصادي بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mvzn92b9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"