التاريخ وتغيير النموذج الفكري

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

أين يكمن خطر عدم تغيير الإطار الفكري في قراءة التاريخ واستقرائه؟ أهون الهيّن هو أنك لا تستطيع الحديث عن «علم التاريخ» إذا كنت تحظر البحث العلمي الحرّ في أحداث الماضي ولاعبي الأدوار فيه، من القاعدة إلى القمّة. علم التاريخ اليوم أكبر حتى من أن نسمّيه علماً متعدد التخصصات، فهو متداخل التخصصات ومتشابك التخصصات. عمليّاً لا يمكن فصل علم التاريخ عن العلوم الاجتماعية التي هي في حدّ ذاتها مجموعة علوم في علم: الجغرافيا بفروعها، السياسة، الاقتصاد، النفس، الاجتماع، الإناسة، الآثار...
حسناً، هل ينبغي للعالمين العربي والإسلامي ترك العلماء والمتخصصين غير العرب وغير المسلمين يذهبون كل مذهب في البحوث والدراسات، مستخدمين كل العلوم التي ترفدها منظومة علوم أخرى: الفيزياء، الكيمياء، الأحياء، طبقات الأرض.. تكفي شعرة من مومياء لقلب ألف قناعة وقناعة، عند تحليل حمضها النووي، لكن هؤلاء العلماء ليسوا أنبياء ورجالاً صالحين حتى يتخلى العرب والمسلمون عن حكّ جلد تاريخهم بأظفار علمائهم. المحاذير كثيرة، فالخبراء الأجانب يمتلكون العلوم والمنهجيّات والمهارات والأدوات التي تتسنّى بها الاكتشافات، ولكنهم قادرون أيضاً على الدسّ والطّمس والإجحاف عند الانحراف.
ما على المعنيّين بالشأن أن يدركوه هو أن المتلقي العربي اليوم تحيط به أعداد هائلة من القنوات التلفزيونية ووسائط التواصل، أمّا إذا كان على نصيب من لغات أخرى غير العربية، فسوف يرسل رسالة من تحت الماء. ماذا عسى بناتنا وأبنائنا أن يقولوا حين يروي لهم الأكاديميون الأجانب أحداث تاريخنا العربي الإسلامي، بعد استنطاق الوقائع بالبيولوجيا والكيمياء واستجواب العظام بالحمض النووي واستخبار الأخشاب وسائر البقايا بالكربون 14، بينما يظل ما ننقله نحن عن كتب التاريخ القديمة يتحدث عن أمور لا يستطيع جبل من الاستدلال تبريرها وتفسيرها؟
هذه الطرائق لم تعد صالحة مطلقاً للحديث عنها في مناهج التربية والتعليم ولا في الإعلام الجاد ولا في الأوساط الثقافية. الأدهى هو أن يأخذها النشء الجديد على أن التراث كله هكذا، فيقطع بأن الحقيقة هي ما يقوله أكاديميّو الخواجات. هل تذكرون هيئة الإذاعة البريطانية «هنا لندن» أيام زمان قبل عقود؟ لقد كان العرب لا يفوّتون نشرات أخبارها، لأن «القول ما قالت حذامِ». كان الناس يعتقدون أن إذاعات البلدان العربية لا علاقة لها بثلاثي الصاد والدال والقاف. المثل الإيراني لا ينطبق هنا: «دجاجة الجار إوزّة»، فصوت لندن كان مستوى آخر من الاحتراف. مفهوم؟ فارق المستوى في تناول التاريخ أخطر! 
لزوم ما يلزم: النتيجة اليقينيّة: أوصدوا أبواب فحص ملفّات التاريخ، فالأجانب سيقدّمونها لأجيالكم في قوالب أغراضهم المغرضة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3bfjdyxj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"