التغيير القادم من الشرق

01:03 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

يبدو أن الوقت قد حان لكي يدرك الغرب حقيقة المتغيرات الجارية في العالم، وأنه لم يعد بوسعه التربع طويلاً على عرش النظام العالمي، والتحكم بمصائر الدول والشعوب، بينما تتسارع الأحداث والتطورات التي تحمل معها إشارات قوية على بزوغ نظام عالمي جديد.

 التغيير القادم من الشرق بدأ يفرض إيقاعه على مجمل الحراك العالمي، مثيراً حالة من الارتباك والرعب لدى الغرب الذي لا يزال يبحث عن هزيمة روسيا في أوكرانيا، أو على الأقل استنزافها وإضعافها، دون أن نرى أثراً لذلك. وبينما يواصل الغرب الغرق أكثر فأكثر في المستنقع الأوكراني، ويحشد كل ما لديه من سلاح متطور وصولاً إلى استخدام اليورانيوم المنضب، تواصل القوات الروسية تقدمها في الشرق الأوكراني، وتؤكد كل يوم تفوقها باستخدام ما لديها من أسلحة سوفييتية قديمة ودون اللجوء فعلياً إلى زج ترسانتها الحربية الحديثة، في حين يبدو التحالف الأوكراني الغربي عاجزاً عن شن أي هجوم مضاد، رغم تعهدات كييف باستعادة الأراضي التي خسرتها قديماً وحديثاً.

 وسط هذا التخبط الأوكراني الغربي، تثير زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى موسكو، الكثير من الارتباك والرعب في الغرب، ليس فقط بسبب توقيع اتفاقات التعاون التي شملت مجالات الطاقة والاقتصاد والتعاون العسكري التقني وغيرها، أو ارتقاء العلاقة بين موسكو وبكين إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، وإنما لأن الغرب بدأ يدرك أنه لم يعد بوسعه منع تفككه وترجله عن قيادة النظام العالمي. 

 قد تكون محادثة شي وبوتين القصيرة أمام الكرملين في ختام زيارة الرئيس الصيني لموسكو، التي تحدثت عنها الصحف العالمية، أبلغ رسالة وصلت إلى الغرب في هذا الصدد، من حيث مضمونها المرعب، فقد بادر شي وهو يصافح مضيفه بوتين بالقول «الآن، هناك تغييرات لم تحدث منذ 100 عام. عندما نكون معاً، نقود هذه التغييرات»، وقد رد عليه بوتين بالقول «أوافق». هذا يعني أن التغيير قادم لا محالة، وأن مسألة النزاع في أوكرنيا لم تكن، منذ البداية، نزاعاً إقليمياً محصوراً بين موسكو وكييف، وإنما كان مخططاً لها من جانب الغرب، مع حسابات خاطئة لم تأخذ في الاعتبار إمكانية قيام تحالف صيني - روسي، أو قيام ظاهرة صينية آخذة في التفوق على العالم الغربي بقيادة واشنطن اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، وتتمتع بالكثير من المصداقية، لكونها لا تحمل إرثاً استعمارياً، ولأنها تتعامل باحترام مع كل دول وشعوب العالم، فكيف سيكون الحال إذا ما اتسع نطاق التحالف الروسي - الصيني إلى بعض دول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا وغيرها من مناطق العالم.

 بينما على الجانب الآخر، بات من الواضح تآكل النفوذ الغربي- الأمريكي في مختلف أنحاء العالم بدءاً من الشرق الأوسط مروراً بإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وحتى داخل القارة الأوروبية، وهو ما يدفع التحالف الغربي للقتال بشراسة عن مواقع نفوذه المتهالكة، لكن بعد فوات الأوان، ومن دون أن تكون لديه القدرة على منع بزوغ نظام عالمي جديد قادم لا محالة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/494jhn3v

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"