عادي

«صلوات».. توهج الفن بالعبادة

23:39 مساء
قراءة 3 دقائق

الشارقة: علاء الدين محمود

يسهم الفن الإسلامي، خاصة الإبداع البصري، في تعزيز القيم والأخلاق النبيلة التي هي من صميم الدين والتراث الإسلامي؛ حيث يقوم الخطاط عبر أعماله وتكويناته الفنية والجمالية بفعل المناجاة والتسبيح والتأمل في الكائنات والموجودات، لتأتي اللوحة وهي محملة بالمضامين والمعاني وتفتح أمام المتلقي الكثير من الآفاق الجديدة والمختلفة التي يرتادها، وهو يحلق في عوالم من الفيوض والأنوار.

الخطاط السوري أحمد أمين شمطة هو صاحب ممارسات فنية وخطية غاية في الجمال ودقة التكوين، وقد برع بصورة خاصة في الخط الديواني، شارك في الكثير من المهرجانات، وحصل على العديد من الجوائز، وكان ضمن الفائزين بجائزة البردة في دورتها السادسة عام 2009 في دبي عن فئة الخط الأسلوب التقليدي.

النص المستخدم في اللوحة وهو الصلاة الإبراهيمية، يقول: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد»، وهي ذات فضل عظيم، بمفردات وكلمات غاية في الجمال، وقد ذكر أن هذه الصلاة على النبي الكريم، قد تكون سبباً في شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، للمسلم الذي يرددها يوم القيامة، وقيل إنها تكسو وجه صاحبها بالإشراق والأنوار، كما أن الإكثار منها، يجعل المسلم يتذكر النبي كثيراً، فيعمل على الاقتداء به والسير على خطاه ونهجه، كما أنها تشعر بالأمان والسكينة الدائمة، وقد حاول الفنان، إلى جانب تمثله لتلك القيم، أن يعكس ذلك الوهج والجمال في اللوحة.

عبر الفنان عن فضاءات النص وعوالمه عبر خط الديواني الجلي، والذي ابتدعه الخطاط العثماني «شهلا باشا» في نهاية القرن العاشر هجري، وسمي بذلك الاسم، لأنه مستوحى من الخط الديواني نفسه؛ لذلك هو مشابه له من حيث مرونته واستدارته الدقيقة، كذلك شدة وضوحه وتداخل حروفه واستقامة سطوره من أسفل وأعلى كما أنه غير مقيد بنظام السّطر أي أنه لا توجد حروف معينة تنزل تحت السطر وأخرى فوقه؛ بل ما يراعى في هذا الخط أولاً هو تناسق أشكال الحروف وتناغمها، وتلك هي الأشياء التي راعاها الخطاط في العمل.

تناغم

ونلاحظ أن اللوحة جاءت بطريقة فيها الكثير من التناغم والتماثل، وربما ذلك يعود بصورة كبيرة إلى خصائص الخط «الجلي الديواني»؛ حيث أن ما يميزه بشكل حاسم عن سابقه «الديواني»، هو كثرة علامات الزخرفة والحركات والنقاط التي تملأ الفراغات بين الحروف، والكلمات حتى تشكل الجملة كتلة واحدة أو رسمة مملوءة من دون فراغات، وكأن هذا الخط قد جاء كاقتراح جمالي جديد داخل الديواني نفسه، حتى يصبح أكثر إشراقاً وانفتاحاً؛ لذلك سمي ب«الجلي»؛ والذي يعني المبدع، وهي ميزات جعلت هذا النوع من الخط يستخدم بصورة أكبر من «الديواني»، أو «الديواني الخفي»، الذي شاع توظيفه بغير تشكيل أو تزيين، وهذا الأمر الذي جعل خط الديواني الجلي مثالياً للوحات الفنية فكان أن روّج له أعلام الخط في الدولة العثمانية حتى تصدر الكتابات واللافتات في المناسبات الجليلة الرسمية.

وقد استطاع الفنان أن يوظف الخط بمهارة شديدة في هذه اللوحة التي جاءت بالفعل مشابهة للأعمال التشكيلية؛ حيث إن «الديواني الجلي»، هو أداة إبداعية خلّاقة في يد من يتقنه خاصةً إذا تمازج مع حس فني مرهف؛ وذلك ما فعله الخطاط في هذا التشكيل المبهج للنظر؛ حيث عمل على تصميم لوحة مشرقة، تجعل المشاهد أو الناظر يمتلئ بالجمال النفسي والروحي، فتلك الأنوار الساطعة في النص، حاول الفنان أن يسربها بطريقة مبتكرة إلى عوالم اللوحة بما تحمل من دلالات دينية وجمالية تسمو بالنفس البشرية، فالفنان يمارس فعل الصلاة على النبي الكريم، فتسمو روحه، ويعمر قلبه بالإيمان، فعمل على التعبير عن تلك المشاعر العظيمة وعكسها في هذه اللوحة الخطية البديعة التي هي، إلى جانب أنها صورة بصرية مشرقة، تحمل دعوة إلى الصلاة على النبي الكريم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3t5e6d7b

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"