ألمانيا بعد فرنسا

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

تتظاهر الدول الأوروبية بثقة مبالغ فيها بالنفس، وهي تنحو منحى التصعيد في العلاقة مع الحرب الروسية – الأوكرانية، ولا تتورع عن أن تجعل من نفسها شريكاً أصبح، أو أشك في أن يصبح، مباشراً في تلك الحرب، من خلال تزويد كييف بأحدث الأسلحة، وأخطرها، كما تفعل بريطانيا مثلاً، دافعة بالأمور نحو مسارات تصعيد مخيفة، لكن أوروبا هذه لا تستطيع أن تظهر ذات الثقة تجاه نفسها، وهي تواجه الأزمات الداخلية المتتالية، والتي تنفجر بالتوالي، منتقلة من بلد إلى آخر، وهي أزمات تعود، في جانب منها، إلى نهجها في التعامل مع الملف الأوكراني، وهذا ما عناه أحد زعماء الإضرابات في فرنسا، حين قال لو أنّ الرئيس ما كرون خصص جزءاً مما تدفعه فرنسا لأوكرانيا لقاء الأسلحة التي تضخّها إليها، لما كان في حاجة إلى رفع سن التقاعد.
 وبعد الإضرابات المستمرة والمتصاعدة في المدن الفرنسية، والتي واجهتها الحكومة بالقمع، في تعبير عن ازدواجية الموقف الغربي من مسألة حقوق الإنسان، فلو كان بعض هذا القمع مورس في بلد آخر من البلدان النامية، لأمطرتنا أوروبا ببكائيات عن هدر الحقوق، وقمع حرية الرأي والتعبير، نقول بعد فرنسا ها هي موجة الإضرابات تمتد إلى بلد أوروبي مهم آخر، هو ألمانيا، التي شهدت، أمس، إضرابات واسعة في قطاع النقل، توصف بأنها الأكبر منذ التسعينات، أدت إلى توقف العمل، سواء في سكك الحديد، أو في المطارات.
 وينقل الموقع الألماني «دي. دبليو» عن زعيم واحدة من أكبر النقابات العمالية، نقابة فيردي، التي تتفاوض بالنيابة عن 2.5 مليون موظف وعامل، بمن فيهم العاملون في النقل العام وفي المطارات، قوله «إن هذا الإضراب مسألة حياة أو موت، لآلاف الأشخاص الذين يكافحون من أجل أجور أعلى، في ظل ارتفاع معدلات التضخم»، فالناس، حسب قوله «لا يتقاضون مرتبات متدنية فقط، بل يعملون فوق طاقتهم على نحو بائس»، وكما في فرنسا ودول أوروبية تعاني ارتفاع مستويات التضخم وسط الزيادة الكبيرة في أسعار الطاقة، يطالب المحتجون بزيادة الأجور في قطاع النقل بمقدار 500 يورو، على الأقل شهرياً.
على الحكومات الغربية أن تواجه الحقيقة. أن تكفّ عن المبالغة في النشوة بما ترى أنها تحققه من توريط لموسكو في المستنقع الأوكراني، وهي الاستراتيجية التي وضعها وينفذها «الناتو»، وأن تلتفت إلى أوضاعها الداخلية المأزومة، وتصغي لمطالب الملايين الذين ضاقوا ذرعاً بتلك السياسات.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/37h8vcxz

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"