عادي
«فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ»

بادر بالتوبة

00:46 صباحا
قراءة 3 دقائق
3

د. سالم الشويهي

إن قصة الشجرة المحرمة ووسوسة الشيطان باللذة، ونسيان العهد بالمعصية، والندم وطلب المغفرة، هي تجربة البشرية المتجددة، فمن اقترف مثل أبيه آدم الذنب، فليبادر مثله بالتوبة.

لما زلت بأبينا القدم ندم على الذنب أيما ندم فرجع إلى ربه وتاب وأناب «قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ». هذا هو الدعاء الذي دعا به آدم وحواء، وهي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه ثم قالها فتاب الله تعالى عليه وهدى، «فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ

هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ». وبالتأمل في هذه الآية الكريمة نرى أن الله تعالى فتح لهم باب التوبة والمغفرة ليعودوا فمن تاب تاب الله عليه.

رُوِيَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ الْمُذْنِبَ يُذْنِبُ فَلَا يَزَالُ نَادِمًا مُسْتَغْفِرًا حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ الشَّيْطَانُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوقِعْهُ فِيهِ».

إن النقص والتقصير والخطأ لا ينفك عنه إنسان، ولذا جاء الأمر بالتوبة للناس جميعاً بقوله، سبحانه: «وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»، «وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»، وزوال اسم الظلم عنه إنما يكون بالتوبة النصوح.

قال النبي، صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الله، عز وجل، يَقْبَلُ تَوبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ». أي: ما لم تبلغ روحه الحلقوم.

قَدِّم لنفسِكَ توبةً مَرْجُوَّةً

قبلَ المماتِ وقبلَ حَبْسِ الأَلْسُنِ

بادِرْ بها غَلْقَ النُّفوس فإنَّها

ذُخْرٌ وغُنْمٌ للمُنيب المُحْسِنِ

قَالَ بَعْضُ الصالحين: «هَبْ أَنَّ الْمُسِيءَ قَدْ عُفِيَ عَنْهُ ! أَلَيْسَ قَدْ فَاتَهُ ثَوَابُ الْمُحْسِنِينَ».

كما قال تعالى «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ»، فلو غفر للمذنب بقي الخجل من فعل الخطيئة.

وفي حديث الشفاعة الطويل: «يَجْمَعُ اللهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَهْتَمُّونَ لِذَلِكَ فَيَقُولُونَ: لَوْ اسْتَشْفَعْنَا عَلَى رَبِّنَا حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، فَيَأْتُونَ آدَمَ عليه السلام، فَيَقُولُونَ: يَا آدَمُ أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ خَلَقَكَ اللهُ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ، وَعَلَّمَكَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَيْءٍ فَاشْفَعْ لَنَا عِنْدَ رَبِّكَ حَتَّى يُرِيحَنَا مِنْ مَكَانِنَا هَذَا، أَلاَ تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ وَمَا بَلَغَنَا فَيَقُولُ: لَسْتُ لها، ويَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ الَّتِي أَصَابَ، فَيَسْتَحْيِي رَبَّهُ مِنْهَا»، مع أن الله قد تاب عليه وقال فيه «ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى»، لكنه الخوف والحياء من الله.

ولذا كان يقول العارف بالله الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وهو يستغفر ربه وَيَبْكِي بُكَاءَ الثَّكْلَى: «وَاسَوْأَتَاهْ مِنْكَ وَإِنْ عَفَوْتَ».

إن الوقوف بين يدي الله غداً، وتقريره عبدَه بما اقترفَ، مع ستره عليه في الدنيا، ومغفرته له في الآخرة - لحَرِج كبير أمام الرب العظيم جل في علاه

يا حَسْرَةَ العاصينَ يَوْمَ معادِهم

وَلَوْ انَّهمْ سِيْقُوا إِلَى الجَنَّاتِ

لو لمْ يَكُنْ إِلاَّ الحَيَاءُ مِنَ الذِي

سَتَرَ الذُّنُوبَ لأكثروا الحَسَرَاتِ

لما احتُضِرَ الأسودَ بنَ يزيدَ، بكى فقيل له: ما هذا الجزعُ؟ قال: واللَّهِ لو أتيتُ بالمغفرة من اللَّه عز وجل، لهمني الحياءُ منه مما صنعتُ، إنَّ الرجلَ ليكونُ بينه وبين الرجلِ الذنبُ الصغيرُ، فيعفو عنه فلا يزالُ مستَحِياً منه حَتَّى يَمُوت.

وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ».

وفسر ذلك بقوله، صلى الله عليه وسلم: «الِاسْتِحْيَاء مِنَ الله حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، الْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وتَذْكُر المَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَآثَرَ الْآَخِرَة عَلَى الْأُوْلَى، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ».

اللهم ارزقنا الرشد والثبات والتوبة قبل الممات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/46r6f6ud

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"