عادي
قرأت لك

«إطلالة على الماضي».. سفر إلى زمن الطيبين

20:43 مساء
قراءة 4 دقائق
حمد خليفة بو شهاب

الناشر: أكاديمية الشعر
الشارقة: علاء الدين محمود

الشاعر والأديب والمؤرخ حمد خليفة بو شهاب، «1936م -2002م»، هو من القامات الثقافية في الإمارات ومنطقة الخليج، وكان له دور مميز في حفظ الذاكرة الإبداعية الإماراتية، وأولى قضايا الأمة العربية اهتماماً كبيراً، وهو من الشعراء الذين تركوا بصمة بارزة فقد كان متمكناً في مجالي الشعر الفصيح والنبطي، حتى لُقب بـ«الهزار الشادي».
كتاب «إطلالة على ماضي الإمارات»، يعد من أهم مؤلفات بوشهاب، وصدر بصورة منقحة وكاملة في طبعات متعددة عقب رحيل الكاتب في أعوام 2011، و2014، 2016، بواسطة أكاديمية الشعر في لجنة إدارة المهرجانات والبرامج الثقافية والتراثية في أبوظبي؛ إذ إن الأديب الراحل كان قد أنجز جزءاً كبيراً من الكتاب في النصف الثاني من سنة 1989، ثم أضاف عليه في السنوات التي تلتها مواد ومعلومات أخرى، ولم يتسن له إصداره في صورة كتاب، فبقيت مخطوطة الكتاب محفوظة في مكتبته الخاصة.
تشير مقدمة دار النشر إلى أنّ المعلومات التي وردت في هذا الكتاب نُشِرَت وفق ما ورد في المخطوطة التي تركها الشاعر الراحل، فقد توقف تطوّر هذه المعلومات وتجديدها عند وفاة المؤلف سنة 2002.
يقع الكتاب في 118 صفحة من القطع المتوسط، ويتميز بالثراء والتنوع والجدية، لكونه يضم مجموعة من المعلومات لم يسبق أن تناولها أي كتاب من قبل، خاصة في الفصل المعنون بـ«الفئات التي يتكون منها مجتمع الإمارات»؛ لذلك يعد من المؤلفات التأسيسية التي ينهل منها المؤلفون والكتّاب، فهو إصدار له قيمته الأدبية والمادية الكبيرة؛ إذ يغوص عميقاً في ماضي الإمارات قبيل تأسيس الدولة عام 1971، ويتناول جوانب وقضايا في فروع معرفية مختلفة أدبية واجتماعية واقتصادية وتاريخية وسياسية، واعتمد المؤلف بصورة خاصة في هذا الكتاب، على معارفه وثقافته في ما يتعلق بالتاريخ الإماراتي القريب، من خلال معايشته الشخصية لمراحل وتحولات ومنعطفات كبيرة مر بها المجتمع الإماراتي.
* وحدة الجذور
الكتاب ينقسم إلى عدة مواضيع وعناوين في سياقات مختلفة، ولعل أهمها ذلك الذي يحمل عنوان: «الفئات التي يتكون منها مجتمع الإمارات»؛ إذ يقدم المؤلف تعريفاً شاملاً ومحكماً؛ حيث إذ يؤكد وحدة جذور قبائل الإمارات والأسر الحاكمة في إماراتها السبع، ويضعنا الكتاب أمام شبكة حميمة متداخلة من قرابات النسب والمصاهرة القديمة والجديدة بين أصحاب السموّ حكام الإمارات وعائلاتهم وأبنائهم وبناتهم، وثّقها المؤلف بأسماء الآباء والأبناء، وأسماء الأمهات والزوجات والبنات اللاتي شكّلن رابطاً وثيقاً، إضافة إلى صلات النسب والمصاهرة بينهم وعائلات المجتمع عامة، وهذا التلاحم والتقارب الذي نتيجته الحتمية قيام اتحاد دولة الإمارات بقيادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وإخوانه حكام الإمارات في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول عام 1971، وبذلك فإن براعة المؤلف تكمن في البحث في الظروف الاجتماعية والثقافية التي قادت لقيام الاتحاد، من خلال منهج يرصد ويحلل ويوفر المعلومات التي كانت تتداول بصورة شفاهية؛ إذ يعد الكتاب توثيقاً لمرحلة مهمة من مراحل تطور الإمارات قبيل قيام الدولة وبعدها.
وأفرد الكتاب مساحة حول كيفية الحكم في كل واحدة من إمارات البلاد قبيل الاتحاد؛ حيث كان اختيار الحاكم يتم بصورة تلقائية من أعيان البلاد، فحين يجدون في الشخص الصفات التي تؤهله لاستلام مقاليد الحكم، وأهمها العفة والعدالة والشجاعة والحسب، فهم لا يترددون في مبايعته وموالاته، هكذا كانت بدايات الحكم الذي اتخذ بعد فترة من التجربة الناجحة في إدارته وتوجيهه، الطابع الذي صار متعارفاً عليه في أسر توالت حكم الإمارات أجيالاً وما تزال منذ أن استقر رأي الجماعة على الرضا بالقبول بها.
كما تناول الكتاب القضاء في الإمارات، والأحكام السائدة في حقبة ما قبل الاتحاد، ويذكر أسماء القضاة الشرعيين الذين تولوا تلك المهمة، ويعرج على الثقافة العامة والتعليم، معرفاً بالعديد من الينابيع التي شكلت مصدراً للثقافة، وأسماء المدارس في كل إمارة في ذلك الوقت، وخصص الكتاب حيزاً كبيراً للحديث عن الحياة الاقتصادية في الماضي والمعاملات التجارية التي كانت سائدة وقتها، مع التوسع في تناول حياة الغوص وقوانينه وأعرافه وأسماء «الهيارات» و«المغاصات»، البحرية وتجارة اللؤلؤ وأهم التجار في الإمارات، معززاً ذلك باستشهادات شعرية مهمة وأحداث عديدة عن عالم الغوص، وتجارة اللؤلؤ؛ حيث تناول المؤلف في هذا الشأن حياة كاملة في أبعادها المختلفة.
*طرائق
ويتطرق الكتاب بشي من التعمق، إلى الحديث عن «مجتمع البادية في الإمارات»، مسترسلاً في توصيف طرائق عيش البدو وأسلوب حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فهم سكان الصحراء والبادية، بالتالي هم أكثر الناس حفاظاً على الموروث الحضاري، والتقاليد والعادات الأصيلة؛ حيث ينتقي الكتاب مجموعة من أهازيجهم وأشعارهم، فقد عرف عنهم الجزالة في اللغة، وفي قصائدهم تسكن الحكمة، والقيم العربية الأصيلة مثل الشجاعة والفروسية، كما أن للمجتمع البدوي خصوصيته التي ما زال يحتفظ بها، والتي ترعاها وتقدرها الدولة.
كما يفرد مساحة للحديث عن التراث تحت عنوان «التعريف بالتراث وما قيل في حقه»؛ إذ يغوص في أشكال متعددة ومختلفة من التراث الإماراتي، وبصورة خاصة الشعر الذي يحتل مكانة كبيرة في المجتمعات التي تتذوقه وصفاً، وتتمثل به حكمة، سواء أكان هذا الشعر فصيحاً أو عامياً، لأن مقومات النظم الشعبي وخصائصه، هي ذات خصائص الفصيح فكرة وغرضاً وصورة؛ بل ولغة، ويدافع الكتاب عن الشعر النبطي وأصالته، بتأكيد أن العرب حتى إبان ازدهار لغتهم كانت لهم لهجات متنوعة يعرفها المطلعون على تاريخ تطورها، ويستدعي المؤلف حديث المؤرخ وعالم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون، والذي يقول: والشعر البدوي وإن تحرر من قيود الإعراب إلا أنه يظل محتفظاً بمعانيه وألفاظه ومصطلحاته وأوزانه.
الكتابة يقدم سياحة بديعة في مجتمع الإمارات قبيل قيام الدولة، ويقدم للقارئ معلومات وفيرة، والمصادر التي استقى منها المؤلف مادته ومعلوماته، إضافة إلى صفحات من مسودة الكتاب بخط الكاتب.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/8twsk925

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"