عادي

الهوية الغائبة لشبه الجزيرة الأيبيرية

23:18 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

يلقي كتاب «الأندلس.. بحثاً عن الهوية الغائبة» لخوليو رييس روبيو «المجريطي» الضوء على فترة مهمة من تاريخ إسبانيا وتاريخ العالم، وهي فترة الوجود الإسلامي في الأندلس، التي استمرت قرابة ثمانية قرون، وضع المسلمون بصماتهم عليها، لكن الغرب سعى لطمس ملامح تلك الهوية.

يأتي المؤلف بعد مرور أكثر من خمسة قرون أخرى، ليزيل عن هذه الحقبة الغبار، ويؤكد للعالم أن الفضل يرجع للعرب وللحضارة الإسلامية في نهضة إسبانيا وأوروبا كلها، ورغم أن موضوع الحضارة الإسلامية في إسبانيا تناولته أقلام كثيرة من المؤرخين والكتاب والمفكرين، فإن طريقة الطرح والمعالجة تختلف في هذا الكتاب إضافة إلى التوقيت الذي صدر فيه ومناسبته للمرحلة الحالية.

الكتاب الذي ترجم إلى العربية على يدي رنا أبو الفضل وغادة عمر طوسون يشير إلى أن كاتبه ألّفه في وقت يتعرض فيه الإسلام لهجمات شرسة من كل جانب، فإذا بالمؤلف ينكر هذه الاتهامات الباطلة ويعرض لنا فكر الآخر وتصوره المحايد عن الإسلام والمسلمين، ورغم دراسة المؤلف للقانون فإن له أعمالاً عديدة عن الأندلس وباعاً طويلاً في الدراسات التاريخية.

  • توافق

يتحدث الكتاب في جانب منه عن هوية إسبانيا المزدوجة، وعن دورها في التوفيق بين الحضارتين الشرقية والغربية، وفي هذا الصدد يضع تصوراً للتحكيم الدولي لحل النزاعات، ودور إسبانيا المستقبلي فيه كوسيط يسعى إلى تحقيق التكامل والتوافق في العلاقات بين الشرق والغرب، وذلك بعد ما أشار إلى تلك العلاقات التاريخية بين أوروبا والشرق منذ الفتح الإسلامي للأندلس في مطلع القرن الثامن، مروراً بالحملات الصليبية الموجهة للشرق وتاريخ الدولة العثمانية مع الدول الأوروبية.

يوضح الكتاب أنه بمجرد أن نذكر كلمة الأندلس فإنها ترتبط بالمنطقة الجنوبية من إسبانيا، حيث يوجد حالياً إقليم «أندلوثيا» الذي ظل لفترة طويلة من الزمان على اتصال بالحضارة الإسلامية في إسبانيا، ومنذ فجر التاريخ ونظراً للموقع الجغرافي في جنوب غرب أوروبا، كانت لإسبانيا علاقة عابرة مع بعض الشعوب والبحارة مثل الفينيقيين واليونانيين، حيث كانت تتبادل معهم منتجاتهم لأغراض تجارية خالصة وبشكل سلمي، وشعوب أخرى محاربة مثل القرطاجيين والونداليين وبعض الأمم الجرمانية وذلك لأغراض حربية مثل الاحتلال.

مع ذلك لم يكن وجود تلك الشعوب مهمّاً، حيث إنها لم تترك تقريباً أي أثر، ورغم ذلك فهناك غزوان تركا أثراً لا يُمحى في هويتنا واستقرا في إسبانيا بعد الغزو العسكري وهما الغزو الروماني والفتح الإسلامي، وبينما كانت السيطرة الرومانية في إسبانيا دامية كانت السيطرة العربية سمحة بشكل عام، ومع ذلك فربما تكون روح التعصب في أوائل العصور الوسطى قد جعلت كل ذلك ينسى بطريقة مجحفة بعد بقاء المسلمين في إسبانيا لمدة ثمانية قرون، وبمجرد طرد آخر الممالك الإسلامية في إسبانيا بعد سقوط غرناطة بقي أثراً لا يُمحى لهذه الحضارة المميزة من خلال المظاهر الفنية والأدبية واللغوية والثقافية.

يوضح الكتاب أن الشعب الروماني الذي غزا شبه الجزيرة الأيبيرية استقر فيها بعد الانتصار العسكري، وضمها إلى الإمبراطورية الرومانية لمدة ستة قرون وأصبحت هدفاً للغزو، ومع تقدم الزمن وفي القرن الخامس تم احتلال شبه الجزيرة، من قبل مجموعة قبائل المحاربين الجرمان، الذين حاولوا حكم المقاطعة الواسعة بإخضاع الناس في المدن والقرى.

من بين هذه القبائل الغازية «الوندال» الذين اشتق العرب منهم اسم «الأندلس» الذي أطلقوه على إسبانيا، ومع ذلك فقد استقر الوندال لفترة قصيرة إلى أن تم طردهم إلى إفريقيا على يد قبائل أخرى، وفي عام 456 ميلادية وطد القوط نفوذهم في إسبانيا، وحظيت إسبانيا القوطية بمرحلة ازدهار حافظت فيها على الثقافة الإسبانية الرومانية، وأسست عاصمتها السياسية والثقافية في طليطلة، وسقط هذا المجتمع القوطي بعد قرنين ونصف القرن من الفساد.

  • أثر

سمح هذا للمسلمين المقيمين في المغرب بشنّ هجوم على سواحل الأندلس عام 710 ميلادية عندما كان القوط منغمسين في الحرب الأهلية، كانت الغنائم التي حصل عليها العرب مغرية وكانت مقاومة القوط ضعيفة، لقد وصل المسلمون في توسعهم إلى شبه جزيرة أيبيريا في بداية القرن الثامن، حيث ضموا الأندلس إلى بلاد الإسلام، واستمرت كذلك حتى القرن الخامس عشر عندما سقطت غرناطة في عام 1492 ميلادية.

يفرد المؤلف فصلاً كاملاً عن أثر الحضارة الإسلامية في الأندلس في المجالات كافة، في نهضة البشرية بأسرها، كما يتحدث عن الأدب العربي من عصر الجاهلية حتى خروج المسلمين من الأندلس في أواخر القرن الخامس عشر، وفي فصل آخر يذكر الشريعة الإسلامية ومصادرها وتأثيرها في القانون الإسباني، مع ذكر أنظمة مثل «قوانين مسلمي الأندلس» التي كان معمولاً بها في المجتمع الأندلسي حتى نهاية فترة الوجود العربي الإسلامي في إسبانيا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4d6r72sv

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"