عادي

الرحمة بكبار السن.. عدل وإحسان

00:35 صباحا
قراءة 4 دقائق

جبر الخواطر عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلق إسلامي عظيم، يدل على سمو نفسه، وعظمة قلبه، ورجاحة عقله. بهذا الخلق، يجبر النبي نفوساً كُسرت، وقلوباً فطرت، وأرواحاً أزهقت، وأجساماً مرضت.

وجبر الخواطر عبادة وطاعة لله، تعالى، وجبر النفوس من الدعاء الملازم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان يقول بين السجدتين «اللهم اغفر لي وارحمني واهدني واجبرني وارزقني». و«جبر الخواطر» صفة من صفات الأنبياء، فهم يتسمون بحسن المعاملة وطيبة القلب. وسُئل الرسول، صلى الله عليه وسلم، عن أكثر الأفعال التي يدخل بها الإنسان الجنة، فقال: «التقوى وحسن الخلق»، وجبر الخاطر من حسن الخلق، وصفة إسلامية وإنسانية عظيمة، ولا تصدر إلا من صاحب القلب الطيب والأخلاق الحسنة، فهي مداواة للقلب.

رحمة وعدل وإحسان النبي صلى الله عليه وسلم بكبار السن و«جبر خواطرهم» ذات أهمية خاصة، ظهر ذلك في أقواله وأفعاله، ولا نجد قانوناً في العالم غير الإسلام جعل احترام كبير السن مسلماً أو مشركاً، في أوقات السلم والحرب أصلاً من أصوله، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ كَبِيرَنَا».

يقول الشيخ، محمد حسان في موسوعة «الآداب الإسلامية»، ها هو أبو هريرة يرجو من الرسول صلى الله عليه وسلم الدعاء لأمه المشركة بالهداية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم اهد أم أبا هريرة) فخرجت مستبشراً بدعوة نبي الله، فلما جئت فصرت إلى الباب، فسمعت أمي خشف قدمي، فقالت: مكانك يا أبا هريرة، قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فأتيت رسول الله وأنا أبكي من الفرح، قلت يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك وهدى أمي، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيراً.. فكم كان عظيماً في «جبر خاطر» أم مشركة في الدعوة لها بالهداية.

وقد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم رجل يطلب البيعة على الهجرة، ثم قال: ما جئتك حتى أبكيت والديَّ. فقال النبي صلى الله عليه وسلم برحمته الواسعة التي جعلها في خدمة صلة الرحم: «ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما»، وبذلك أراد النبي جبر خاطرهما تقديراً لهما.

عند الخروج للحرب

يشير د. راغب السرجاني في كتاب «أخلاق الحروب في السنة النبوية»، إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوصي أصحابه وقادته عند الخروج للحرب فيقول لهم: «ولا تقتلوا شيخاً فانياً» وهي قاعدة عامة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحمهم ولا يقتلهم. بل كان عليه الصلاة والسلام يحترم الشيوخ ويقدرهم، ويجبر بخاطرهم، وما أروع ما فعله مع أبي قحافة يوم فتح مكة، فقد روت أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنهما أنه لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ودخل المسجد، أتاه أبو بكر بأبيه يعوده، فلما رآه الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «هلّا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا أتيه فيه»، قال أبو بكر: يا رسول الله، هو أحق أن يمشى إليك من أن تمشى أنت إليه. قال: فأجلسه بين يديه ثم مسح صدره ثم قال له: «أسلم»، فأسلم. فهذه الرقة و«تطييب الخاطر» من رسول الله كانت ظاهرة وبارزة إلا من عظيم. إنه القائد المنتصر الذي يدخل مكة فاتحاً، وأبو قحافة شيخ كبير تأخر إسلامه أكثر من عشرين عاماً، ومع ذلك يوقِّره النبي صلى الله عليه وسلم، ويرى أنه كان الأَولى أن يتحرك هو - وهو الرسول الزعيم المنتصر- إلى بيت الشيخ! تقديراً لخاطره، هذه هي منزلة كبار السن في عين رسول الله صلى الله عليه وسلم.

معركة بدر

يوضح د. جعفر عبد السلام في كتاب «أخلاقيات الحرب في السيرة النبوية» رواية أخرى للرحمة واللين، «فلما أُسر عمرو بن أبي سفيان بن حرب، في معركة بدر، ووقع أسيراً في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل لأبي سفيان: افد عمرواً ابنك! قال: أيجمع عليَّ دمي ومالي، قتلوا حنظلة وأفدي عمرواً، دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم. فبينما هو كذلك محبوس بالمدينة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ خرج شيخ كبير مسلم إلى مكة لأداء العمرة، وكان اسمه سعد بن النعمان بن أكال، أخو بني عمرو بن عوف، خرج معتمراً، رغم أن الظروف السياسية عصيبة، لاسيما بعد بدر.. ولم يظن أنه يحبس بمكة، وقد كان عَهِدَ أن قريشاً لا يعرضون لأحد جاء حاجاً أو معتمراً إلا بخير، فعدا عليه أبو سفيان بن حرب بمكة، فحبسه بابنه عمرو.. ومشى بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه خبره، وسألوه أن يعطيهم عمرو بن أبي سفيان، فيفكوا به الشيخ، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفرج عن ابن أبي سفيان على الفور، من دون فداء، فبعثوا به إلى أبي سفيان فخلى سبيل الشيخ جبراً لسنه ولخاطره».

وأخيراً: وما أحسب أن قانوناً في العالم - غير الإسلام - قد جعل احترام الكبير وتوقيره أصلاً من أصوله.. وكانت هذه سمته في حياته صلى الله عليه وسلم. جابراً للخواطر في كل الظروف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr3wymnt

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"