عادي
«فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ»

الصبر زاد الأنبياء

23:15 مساء
قراءة 3 دقائق
1

د. سالم الشويهي

رغم الشرك والطغيان، مكث الداعية الأول نوح، عليه السلام، في قومه أحقاباً يقول:«اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ»، ولم يترك طريقاً من طرق الدعوة إلا سلكه معهم مكث على ذلك كما قال تعالى: «أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا» فدعا وألح في الدعوة، ووعظ فأبلغ الموعظة، وبشر فأحسن البشارة، وأنذر وشدد في النذارة، وصبر صبر الجبال، فلقد أوذي لما دعا، وضُرب لما وعظ، وسُخِر منه لما كرّر، فما زاده ذلك إلا صبراً وثباتاً وقوة وإصرارا كما قال تعالى مخبراً عنه «قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا.

وهذا يعلمنا ويعلم جميع الدعاة إلى قيام الساعة أن يفتحوا للناس باب الأمل ولا يقنطوهم من رحمة الله فنوح، عليه السلام، فتح لهم باب التوبة مع عظيم جرمهم، وهل هناك أعظم من الشرك بالله؟ قال علي بن أبي طالب، رضي الله عنه: الفقيه حقُّ الفقه: من لم يُقنِّط النَّاس من رحمة اللهٍ. وسُئل أحد الصالحين:ما سرُّ [أثرك] في الخلق؟ فقال:(أدعوهم) نهاراً، و(أدعو لهم) ليلًا !

ومن العبر والعظات والهدايات والحقائق من قصة نوح الصبر على النصح والتربية وعدم استعجال النتائج، فهذا نوح عاش مع قومه مدة خارقة للغاية لم تحصل لأحد قبله ولا بعده، ولم يتخللها ركود ولا جمود، ولا تراخ ولا توانٍ يدعوهم بكل همةٍ ونشاط في كل الأوقات «إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً»،

بل ازداد جهداً في الدعوة والنصح لقومه، فأين الذين يريدون دعوة وصلاحاً في يوم أو شهر أو سنة مع دوام تقصيرهم وتفريطهم في التوجيه ؟ وأين الذين يشكون فساد أبنائهم، وذلك المربي الضجر من تلاميذه، والزوجة الكارهة لخلق زوجها؟ أما لكم أسوة في قصة نوح، والذي نفسي بيده، لو لم يكن من هذه القصة إلا هذا الدرس العظيم لكفى.

إِنَّ الأُمُورَ إِذَا انْسَدَّتْ مَسَالِكُهَا فَالصَّبْرُ يَفْتَحُ مِنْهَا كُلَّ مَا رَتَجَا

لا تَيْأَسَنَّ وَإِنْ طَالَتْ مَطَالِبُهُ إِذَا اسْتَعَنْتَ بَصَبْرِ أَنْ تَرَى فَرَجَا

أَخْلِقْ بِذِي الصَّبْرِ أَنْ يَحْظَى بِحَاجَتِهِ وَمُدْمِنِ الْقَرْعِ لِلأَبْوَابِ أَنْ يَلِجَا

فالصبر زادُ الأنبياء وحُلية الأتقياء، وتنويهاً بصبر نوح، عليه السلام، أرشد الله تعالى نبيه ومصطفاه إلى ذلك فقال جل في علاه:«فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلاَ تَسْتَعْجِل لَّهُمْ».

ونوح،عليه السلام، أول أولي العزم، وأطولهم دعوة وصبراً ولذا نجد هذا التوجيه يتكرر كثيراً في القرآن الكريم كما في نهاية قصة نوح في سورة هود، فقد وجه الله خطابه إلى المصطفى،صلى الله عليه وسلم، قائلاً:«فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ». تلك حقيقة حتمية، وسنة ثابتة لمن تذَرّعَ وتجمّل بالصبر؛ فإن العاقبة والنتائج الطيبة في الدنيا والآخرة هي للمتقين.

إنِّي رَأَيْتُ وَفِي الأَيَّامِ تَجْرِبَةٌ

لِلصَّبْرِ عَاقِبَةً مَحْمُودَةَ الأَثَرِ

وَقَلَّ مَنْ جَدَّ فِي شَيْءٍ يُحَاوِلُهُ

واستصحب الصَّبْرَ إلاَّ فَازَ بالظَّفَرِ

قال ابن الجوزي: مَن تذكَّر حلاوة العاقبة؛ نسي مرارة الصبر! وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ومَن يتصبَّرْ يصبِّرْهُ الله، وما أُعطيَ أحدٌ عطاءً خيْراً وأَوسَعَ منَ الصبرِ».

الصابر سيوفى أجره، في الدنيا قبل الآخرة ولذا قال الله تعالى آمراً عباده: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ». وأحسن من قال: يَقُولُ لَكَ الإِثْبِات أَهْلُ التَّجَارِبِ تَصَبَّرْ فَعُقْبَى الصَّبْرِ نَيْلُ الْمَآرِبِ وَنَصُّ كِتَابِ اللهِ بِالصَّبْرِ آمِرٌ وقَدْ وَعَدَ الصُّبَّارَ حُسْنَ الْعَوَاقِبِ

جعلنا الله وإياكم من الصابرين الذاكرين المهتدين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yeunrft7

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"