النرجسية وما تفعله في السياسة

01:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. علي محمد فخرو
الإشارة إلى مشاكل النرجسية في السياسة، وإلى تأثيرات جوانبها النفسية والذهنية والسلوكية على تصرفات بعض العاملين في السياسة من النرجسيين، هي ظاهرة جديدة لافتة للنظر لكثرة تكرارها في الكتابات وشتى أنواع الخطابات السياسية.
فمثلما كان يشار إلى تعابير وصفية لهذه الشخصية السياسية أو تلك، من مثل التحكم السلطوي أو الفساد أو خيانة الذمة وغيرها من تعابير جارحة، أصبحت الإشارة إلى تعبير النرجسية شائعة متكررة، بكل جوانبها المرضية النفسية وسلوكياتها الشاذة وقيمها اللا أخلاقية.
ولأن الكثير من الحراكات الشعبية الجماهيرية، سواء العنفية منها أو السلمية، في العديد من الأقطار العربية قد تمخضت عن صعود قيادات، ممن يمكن تصنيفها بالشخصيات النرجسية، فقد أصبح لزاماً أن تشمل عملية التثقيف السياسي للأجيال الشابة وعياً بوجود تلك الظاهرة المتنامية، وفهماً معمقاً لتجلياتها في أمور السياسة والأمن والاقتصاد بصورة خاصة.
فجأة ظهرت على المسرح شخصيات يشار إليها بالمنقذة، والمتميزة في قدرات القيادة، والمحبوبة إلى حد الهيام من قبل الملايين. في البدء كانت تتكلم بهدوء وباحترام شديد للآخرين وبكثير من تواضع الالتزام النضالي والثقة في النفس. حتى إذا ما امتلأت القاعة بالهتافات والتصفيق وإرسال إشارات التعظيم طفحت شيئاً فشيئاً ما يقابلها من صفات وسلوكيات نرجسية.
فاحترام الآخرين حل محله الاستهزاء بالمعارضين والتقليل من قيمتهم، وصولاً إلى الغمز واللمز. والأصدقاء والمقربون أصبحوا يواجهون التنمّر والتسخيف، ومن الممكن أن يمتد ذلك السلوك إلى الزوجات والأقارب والخدم.
وباكتساب سلطة ما كانت سابقاً في يد النرجسي يخلط بين السلطة والشعور بالعظمة التي يعتقد أنها ترفعه فوق الجميع، وينسى أن سلطة الرئاسة بكل أنواعها قائمة على نظام من علاقات الأخذ والعطاء والاحترام المتبادل والخطوط الحمر، التي يجب أن لا يتخطاها الجانبان، وأنها سلطة مُنحت بشروط احترام الرئاسة لنصوص الدستور والقانون ولمتطلبات كرامة الإنسان وللشرعية الشعبية الحقيقية غير المتلاعب بها، ولممارسة السلطات التعاونية غير الفردية مع الآخرين المعنيين.
وهكذا انتهى المشهد العربي خلال السنوات العشر القليلة الماضية على الأخص، وعلى ضوء مآسي العديد من الانتكاسات في المشاهد النضالية الشعبية السياسية، إلى صعود مقلق لظاهرة الإعجاب بل والافتتان بالنفس عند من أفرزتهم قوى الخارج والجيوش والجامعات والمساجد والشوارع والقبائل، لكأن بلاد العرب لا تستطيع أبداً أن تنتقل إلى الحاضر وتخرج من مسارح تمثيليات التاريخ السلطاني السلطوي.
لنلاحظ أن النرجسيين الذين برزوا لا ينقصهم الذكاء العقلي ولا الإرادة والشخصية القوية، ولكن ما ينقصهم بصورة مقلقة هو غياب الذكاء الشعوري مع الآخرين وعدم تمكن عمى بصيرتهم من رؤية أخطائهم ونقاط ضعفهم وخطايا التمركز المريض حول ذواتهم.
مثلما أصبحت النرجسية تنتشر في ساحات السياسة عبر العالم، أصبحت تجد لها أيضاً مكاناً في ساحات السياسة العربية. وما عادت تعبر عن نفسها في صورة واحدة وإنما في صور متعددة متداخلة معقدة.
فهناك نرجسية ادّعاء العظمة بما تقود إليه من استغلال الآخرين وتحريكهم كالدمى، ومن ممارسة الكذب والقسوة دون شفقة ورحمة.
وهناك النرجسي غير المتزن، ضعيف الشخصية، دائم القلق والخوف، الغيور الحسود، الشديد الطموح، ولكن الشديد في إحساسه بالنقص أمام منافسيه. وهذه نراها منتشرة عند بعض المشهورين من العلماء والفنانين والإداريين.
بلاد العرب ملأى بكل الأنواع، ولكن يا شباب وشابات العرب احذروا من قربهم في عوالم السياسة، لكثرة ما عرف العالم من كوارث بسبب بعضهم.
[email protected]
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/234zx4jk

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"