بريطانيا و«مكر التاريخ»

01:04 صباحا
قراءة دقيقتين
كلمة الخليج

التاريخ لا يسير في خط مستقيم؛ بل هو متعرج مثله كمثل المؤشر المالي في صعود وهبوط، لأن حركة التاريخ مرتبطة بفعل الإنسان وإرادته. وعندما تحدث الفيلسوف الألماني فريدريك هيغل عن «مكر التاريخ»، فإنه كان يشير إلى التحولات والتغيّرات في الزمان والمكان التي تبدّل وجه المجتمعات والبشر.

ما جرى في بريطانيا، أخيراً، يمثل نموذجاً حياً ل«مكر التاريخ»، إنه مثال للتاريخ الذي يكرر نفسه، لكن بشكل معكوس. فبريطانيا كانت إمبراطورية «لا تغيب عنها الشمس»، واستطاعت خلال الفترة بين 1815- 1914؛ وهي الفترة التي أطلق عليها المؤرخون اسم «قرن الإمبراطورية البريطانية»، أن تسيطر على 26 مليون كيلومتر مربع من مساحة العالم، وتتحكم بنحو 400 مليون شخص، من بينها الهند التي كانت تُسمى «درّة التاج البريطاني» طيلة 200 عام إلى أن تم إعلان استقلالها في 15 أغسطس/ آب 1947، ومن ثم استقلال باكستان عنها.

ودار التاريخ دورته، وها هي بريطانيا بعد 76 عاماً يحكمها من كانوا يوماً يخضعون لتاجها وسطوتها.. فهل هو غير مكر التاريخ؟!

في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تم انتخاب الهندي الأصل ريشي سوناك (42 عاماً) رئيساً لوزراء بريطانيا، ورئيساً لحزب المحافظين، خلفاً لليز تراس التي لم تبقَ في السلطة أكثر من 57 يوماً؛ وهو أول بريطاني من المهاجرين الهنود يتولى هذا المنصب.

ويوم أمس الأول، تم انتخاب حمزة يوسف (37 عاماً)، وهو ابن لمهاجر باكستاني من البنجاب، وصل إلى اسكتلندا عام 1960، زعيماً ل«الحزب الوطني الاسكتلندي»، وبالتالي رئيساً للوزراء، خلفاً لنيكولا ستيرجن التي قدمت استقالتها بشكل مفاجئ في فبراير/ شباط الماضي.

الأول يخوض معركة صعبة، لإنقاذ بريطانيا من محنتها الاقتصادية من جرّاء التضخم الحاد، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة، ويواجه سلسلة من الإضرابات النقابية، احتجاجاً على تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، والثاني تعهد بمواصلة السعي لاستقلال اسكتلندا عن التاج البريطاني، استكمالاً لما بدأته رئيسة الوزراء السابقة ستيرجن. وبالتالي ستكون مهمته إعداد المواطنين للانفصال.

يذكر أن اسكتلندا التي تشكل إحدى الدول الأربع المكوّنة للمملكة المتحدة، تعرضت للغزو البريطاني عام 1400 على يد الملك هنري الرابع. وأجرت في عام 1914 استفتاء على الاستقلال، رفض فيه الناخبون الانفصال بنسبة 55.42 في المئة، مقابل 44.58 في المئة، إلا أن استطلاعات الرأي، تشير الآن إلى أن مؤيدي الاستقلال في ازدياد، وخصوصاً بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وكانت رئيسة الوزراء السابقة ستيرجن وعدت بإجراء الاستفتاء الجديد في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، لكن المحكمة العليا البريطانية رفضت ذلك من دون الحصول على موافقة مسبقة من الحكومة البريطانية، إلا أن ستيرجن اتهمت الحكومة ب«إنكار الديمقراطية»، وقالت: «سوف نجد وسيلة قانونية وديمقراطية، كي يتمكن الشعب من التعبير عن إرادته».

إنها حركة التاريخ التي لا تتوقف، ولا تخضع دائماً لمعايير القوة التي بدورها تتغير.. هذه حال بريطانيا اليوم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4y59w2yj

عن الكاتب

كلمة الخليج

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"