تعلّمت فعلّمت

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

من مميزات التواصل الاجتماعي أنه يعيد إحياء مواقف ولقطات معيّنة يكون قد مر عليها زمن أو حتى أشهر، فيتداولها الناس من جديد وكأنها حديثة، وتلقى ردود فعل وتأخذ مداها وتنتشر، وتعيد المواقع تناولها باستفاضة؛ لأن الواقعة أو الحقيقة أو المناسبة تدهش الناس في أي وقت مهما تكرر الحديث عنها. 
خبر اعتزال نجمة البرامج التلفزيونية عالمياً وليس فقط في أمريكا، أوبرا وينفري قديم، وخبر إقامة محبيها حفل تكريم وشكر لها ليس بالجديد أيضاً، لكن بروزه مجدداً واستمرار ردود الفعل عليه، يؤكد استثنائية الحدث، لما يتضمنه من معانٍ إنسانية عميقة ونبيلة، فالأبرز في الخبر أن 65 ألف شخص أقاموا هذا الحفل الضخم في استاد رياضي في شيكاغو، ليقولوا لأوبرا وينفري شكراً؛ لأنها غيّرت مسار حياتهم يوم كفلتهم من خلال مؤسستها الخيرية، فانتقلوا من حالة مزرية وبؤس وأزمات عاشوها إلى حياة ناجحة ومشرقة، تعلموا وتخرّجوا أطباء ومهندسين وباحثين ومدرّسين، ومنهم من أصبحوا دكاترة مدرسين في جامعة هارفرد، ومنهم من تولى القيادة والمناصب العليا في مؤسسات كثيرة. 
غير عادي ما فعلته هذه المذيعة حين قررت إنشاء مؤسسة خيرية تعتني فيها بكل من يحتاج إلى مساعدة، حوّلت المآسي التي عاشتها في طفولتها إلى تجارب تعلّمت منها دروساً في الانتصار والتفوق والمثابرة والوصول إلى القمة، فأرادت أن تمد يدها لتنتشل كل من يمر بضيق ويعيش مأساة تحول دون قدرته على التعلّم، ومواصلة الحياة الاجتماعية بشكل سليم. 
تعلّمت فعلّمت، ساعدت 65 ألف إنسان، كفلتهم؛ أي أنها احتضنتهم وتكفّلت بتعليمهم وتوجيههم إلى الطريق الصحيح، انتشلتهم كي لا تجرفهم المأساة نحو الضياع والفساد.. وهنا بيت القصيد. ما فعلته هذه السيدة بغض النظر عن مهنتها وشهرتها، نادراً ما يلتفت إليه المشاهير أو يفكّرون في استغلال المجد الذي وصلوا إليه من أجل مساعدة الآخرين، وما فعلته يتجاوز حدود المظاهر الخيرية التي يتباهى نجوم بسردها على مسامع الإعلاميين والجمهور لتلميع صورتهم، وكسب مزيد من الشعبية، فهي فعلت الخير بلا تباهٍ؛ خيراً موصولاً لا ينقطع، واختارت كفالة الأشخاص لتنير دروبهم وتنقلهم من حال إلى حال، فهل هناك أجمل من أن يستطيع المرء انتشال إنسان من بؤرة يغرق فيها رغماً عنه فينقذه ويحول دون انحرافه وانجرافه في طريق الظلام والضياع؟. 
65 ألفاً من البشر كفلتهم أوبرا وينفري، قدّمت لهم المنح الدراسية والحياة الكريمة كي يتمكّنوا من التعلم وتأسيس مستقبل ناجح، فعلت ما يفعله أهل الكرم الأذكياء، من يغيرون بالخير مسار حياة أشخاص ويساعدونهم ليصيروا بدورهم نماذج إيجابية في المجتمع تفيد الناس من حولها؛ خير يكبر ككرة الثلج.. يبدأ بفرد وينتهي بمجتمع بأكمله.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8etfhb

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"