عادي

«فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ» أول الرسل

00:33 صباحا
قراءة 3 دقائق
3

د. سالم الشويهي

نوح، عليه السلام، هو أَوَّلُ رَسُولٍ أُرْسِلَ إِلَى أهل الْأَرْضِ، فلم تكن البشرية بحاجة إلى رسول فقد كانت على الفطرة كما قال تعالى: «فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا» أي: عَلَى التوحيد.

ومن خرج عن هذا الأصل فلعارض أفسد فطرته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» بِمَعْنَى:أَنَّهُ يُولَد خَالِياً عَنْ دَوَاعِي الضَّلَالَة.

وكان الناس يستنون بأبيهم آدم ويعملون عمله، فقد كان، عليه السلام، نبياً مُكلَّماً ولم يكن رسولاً ففي الحديث:(أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَبِيٌّ كَانَ آدَمُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، مُعلَّمٌ مُكلَّمٌ»

وكان المصلحون مِن بني آدم يقومون في النَّاس بالنُّصح والإرشاد وتوجيهِهم إلى الفِطرة السَّليمة وَالْمَحَجَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ ومن بين هؤلاء المُصلحين: وَدٌّ وسُوَاع ويَغُوث وَيَعُوق وَنَسْر، فلمَّا ماتوا تسلَّط الشيطانُ على النَّاس من خلال فرط حبِّهم لهم، فوسوس إليهم باتِّخاذهم وُسَطاء بينهم وبين الله يسألونه من خلالهم، فرسموا صورَهم ونصبوها لهم أصناماً في مجالسهم، وعندها وقعَت الجريمة الكبرى، وهو الشِّرك بالله، وجاء دور الرُّسل، صلوات الله وسلامه عليهم، كما قال تعالى:«كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ».

وبعث الله نوحاً، عليه السلام، ليرد الناس إلى الصراط المستقيم وهو التوحيد بعد أن ظهر الشرك لأول مرة في تاريخ البشر فكان أول ما قال لهم:«يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ»، فالشرك طارئ على البشرية.

قال ابن عباس، رضى الله عنه:«كَانَ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ عَشَرَةُ قُرُونٍ كُلُّهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ»، فقد مكث الناس على الإسلام والتوحيد تلك المدة ليس للشرك بينهم مكان، ولكن الشيطان لم يهدأ له بال ولم يقر له قرار والناس على توحيد الله فزيّن لهم ولبّس عليهم ليوصلهم في نهاية الأمر إلى الشرك والعياذ بالله كما في الحديث القدسي الذي رواه مسلم في صحيحه: «وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُم أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا».

ومن ذلك أن الشيطان وسوس إلى قوم نوح بعد أن مات منهم قوم صالحون، وزين لهم أن ينصبوا لهم أصناماً فنحتوا لهم التماثيل على صورهم كما قال حبر الأمة وترجمان القرآن ابْنِ عَبَّاسٍ، رضى الله عنه، في تفسير قوله تعالى:«وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا». وقال:»هذه أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا، وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ،فَفَعَلُوا فَلَمْ تُعْبَدْ حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ الْعِلْمُ عُبِدَتْ. بهذه الوسوسة وبهذا التزيين جاء إليهم الشيطان في أول الأمر بدافع الاقتداء بأولئك الصالحين، وهذا المسلك يسلكه الشيطان مع بني آدم في كل زمان ومكان فَيُزين للإنسان الشيء في أول الأمر ويُحسنه بدافع حسن النية وسلامة المقصد، فيندفع إليه حتى يقع في المحظور والعياذ بالله، وما أكثر ضحاياه في كل زمان ومكان.

والشيطان لم يطلب من قوم نوح عبادة غير الله دفعة واحدة، ولو فعل ذلك لما استجاب له أحد، لكنه تدرّج معهم، ومن أعاد النظر وتأمل في واقعنا، وجد أن الشيطان وجنده يستخدمون الخطة نفسها التي رسمها إبليس مع قوم نوح، فهم لا يفسدون عقائد الناس وأخلاقهم وسلوكهم وتصوراتهم إلا عن طريق التدرج، وأسلوب المراحل المتتابعة.

المنكرات والمحرمات لا تنتشر في أوساط الناس بين يوم وليلة، والفساد في المجتمعات لم يحصل في عشية وضحاها، بل بالتدريج وعلى مراحل، فهل لنا في قصة نوح،عليه السلام، عبرة وعظة؛ لكي ننتبه ونأخذ الحذر من إغواء الشيطان اللعين ومكره العظيم وشره المستطير ببني آدم أجمعين. نعوذ بالله من الشيطان الرجيم وشِركه وشَرَكه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/vcsct9u3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"