المناهج على مائدة إفطار

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

ما رأيك في أن ندعو المناهج إلى إفطار معرفي تربوي شهي؟ تلك دعوة صالحة يُثاب عليها الداعي إذا دعا، فأنظمة التعليم تصوم الدهر عن التطوير. لكنها إذا كانت لقّامةً لهّامةً، تبتلع مثل سليمان بن عبد الملك، فإن صاحب المائدة ليس لديه قطعان أنعام، ولا أقنان دجاج، لا جِفانٌ كالخوابي، لا قدورٌ راسيات، فمن رام الراسيات فعليه بما يدرس في مدارس العرب، فإنها دار لقمان على حالها، «مقيمةٌ ما أقام عسيب». عجيب، فهذا الاشتقاق يكشف تشاؤم من لم يجد في طول لغتنا وعرضها ثلاثياً يشتق منه التعلم ودار العلم غير الدال والراء والسين التي تدل على الاندثار: «قل لمن يبكي على رسم درَسْ.. واقفاً ما ضرّ لو كان جلسْ». وجود معانٍ أخرى لهذا الجذر اللغوي لا يصرف الذهن عن وجهه الذي يبعث على التطيّر.
الدعوة مختصرة، لا مائدة ولا هم يُولِمون، لكنها ليست كدعابة أطباق الفرنسيين: الصحن كأنه قبّعة مكسيكية، ترفع الغطاء فإذا تحته قطعة لحم مجهريّة. الفكرة صغيرة غير أنها مكثفة، كمادة النجوم النيوترونية، مليار طن في السنتيمتر المكعب. ها نحن قاب ثلاثة مليارات سنة ضوئية أو أدنى، 2.7 بالضبط. هنالك يقع ثقب أسود أوّل من اكتشفه علماء فيزياء فلكية في بريطانيا، من «جامعة دورهام»، لله درّهم ودَرّ دوْرهم. جاء بالنبأ العظيم موقع مجلة «مستقبل العلم» (29 مارس 2023). ما الذي كان يدور في خلد أبي الطيب حين قال: «ومن تفكّر في الدنيا ومهجتهِ.. أقامه الفكرُ بين العجز والتعبِ»؟ ماذا كان يقول لو اطّلع على هذا الخبر الذي يوقف حركة التشابكات العصبية في خلايا الدماغ؟ لم يكن فيزيائي في العالم يتخيّل وجود هذا الثقب الأسود، فهو فوق احتمال أي عقل. كتلته تعادل وزن ثلاثين مليار شمس كشمسنا. عروس ضحانا التي تستطيع أن تستوعب داخلها مليوناً من كرتنا الأرضية، وإذا أزلت الفراغات بين الكرات استوعبت 1.4مليون من كوكبنا. من دون مزاح، لو مرّ من أمامه عنقود من مليون شمس لسرطه مثلما يزدرد سليمان بن عبد الملك السُّمّان والحجل، بغير حساب لفتح الشهية قبل الذبائح.
خطر على بال القلم أن يهمس إلى المناهج بتخصيص حصّة أسبوعية، علمية ترفيهية، لإحداث انفجار عظيم مبارك في خيال بناتنا وأبنائنا، فيها نفحات من هذا السحر العلمي الحلال. هذا كل المقصود من هذا الخبيص الاستطرادي.
لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: على التربويين في كل مادة ألاّ ينسوا أهمية تنمية الخيال. عليهم أن يعملوا بالآية: «وإنّا لموسعون».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2rk29w9c

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"