عادي

الزلازل (1)

23:52 مساء
قراءة 3 دقائق
3

د. حميد مجول النعيمي *

للأرض خيرات لا تحصى ولا تُعد، ومزايا عظيمة وفوائد جمة، فقد سخرها الله، سبحانه وتعالى، للكائن الحي وجعلها قارة سكنية آمنة له، ولكنه جعل فيها كوارث طبيعية (جوية وأرضية) وأضراراً تدميرية محدودة في الحياة الدنيا يُحدثها كيف يشاء ومتى ما يشاء.

وصف الله، سبحانه وتعالى، الزلازل والكوارث الطبيعية في عدد من الآيات الكريمة من خلال الإشارة إلى حركات الأرض ونشاطاتها الجيولوجية من اهتزازات وارتجاجات وما يتبعها من أضرار وتدمير وهلاك للكائن الحي وممتلكاته على سطح الأرض. وجميع الآيات الكريمة تعبر عن حدث معين لا يقتصر موضوعها على ذلك الحدث، وإنما يتطرق في الوقت نفسه إلى أحداث أخرى في نفس السورة قد كانت نتيجة لعصيان الأقوام التي تحدثت عنهم السورة (وهذه مزية مهمة في القرآن الكريم)، أي أن موضوع السور لا يعني أن السورة بكاملها متخصصة لذلك الموضوع. ومن جهة أخرى، فإن الحدث في السورة القرآنية لا يشترط أن يكون وصفاً لحالة الأرض التي نعيش عليها، ولكنها أحداث كونية مرتبطة بأحداث الأرض يطلق عليها بعض العلماء (المقياس الكوني للكوارث).

«إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا*وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا» الزلزلة 1-2 .

بعد وقوع الزلزال بمقياس 7.8 ريختر في تركيا وسوريا ظهر الكثير جداً من المقالات والأخبار والتغريدات وما اشتمل بعضها على التنبؤ بوقوع الزلازل في المنطقة واستمرت وتوسعت، بل وازدادت عقب وقوع الزلازل المتكررة وما يتبعها من ارتدادات طالت العديد من المدن، وبعض من هذه التنبؤات كانت مرتبطة بحركة الكواكب أو اصطفاف بعضها مع القمر (والتي لا صحة لها علمياً).

والمعروف، عملياً وعلمياً، أنه لا يمكن لأحد التنبؤ بالزلزال وفق أحدث الدراسات العلمية والتكنولوجية الحالية.

والتنبؤ بالزلزال يحتاج إلى ثلاثة عناصر رئيسة وبدقة عالية جداً هي: موقع الزلزال وشدته ووقت حدوثه.

والتغريدات والتنبؤات التي ظهرت لم يكن لها أساس علمي واضح. أي أن ما قيل عن النظام الحركي للمنظومة الشمسية ولاسيما قوى جذب الكواكب على الأرض أو اصطفافهما أو غيرها من النظام الشمسي وعلاقتها بحدوث الزلازل لم يرتق إلى استنتاجات علمية دقيقة، وحتى الدراسات الإحصائية المتوافرة بعلاقة الزلازل باصطفاف الكواكب غير كافية لاعتماد ذلك، ولا تصل إلى دلائل علمية يعتمد عليها، لأنها لا تأخذ بعين الاعتبار الحركات التكتونية لقشرة الأرض أو احتكاك الصفائح القارية مع بعض والمسببة للزلازل.

وتبدأ حركة الصفائح أو الصخور الموجودة في تلك المنطقة (مركز الزلزال) من خلال الطاقة المنبعثة على حساب شدة الزلزال الذي يقاس بمقياس يسمى ريختر، والذي ضرب تركيا وسوريا كان مقداره 7.8 ريختر.

إن قوة جاذبية الأرض على سطحها بالنسبة لوحدة الكتل أعلى بكثير من قوى الجاذبية للكواكب على سطح الأرض، والجاذبية الأرضية للداخل هي الأعلى من كل ذلك. تحدث الزلازل في كل أنحاء العالم وبشكل مستمر، ولكن معظمها أضعف من أن تسبب الكثير من الاهتمام، فالزلازل التي مقياسها 5 ريختر فما دون تكون خفيفة وتحدث بالآلاف سنوياً ويشعر ببعضها البشر، ولكن من دون أضرار تذكر والتي قوتها من 5 – 5.9 ريختر تكون معتدلة وقد تتضرر بعض المباني وتحدث مئات المرات سنوياً، أما التي قوتها من 6 -6.9 فتكون قوية وقد تسبب أضراراً كبيرة وتحدث بعشرات المرات سنوياً، ولكن التي شدتها 7-7.9 ريختر فتكون قوية جداً وتسبب أضراراً كبيرة جداً لغاية عشرات الكيلومترات من مركز حدوثها، وتحدث بين 10-12 مرة سنوياً، والتي تصل إلى أكثر 8 ريختر فتكون نادرة ولكنها قوية جداً وتكون مدمرة وتحدث ربما مرة واحدة سنوياً ويصل تأثيرها إلى مئات أو ربما آلاف الكيلومترات من نقطة حدوثها.

لو نأخذ تأثيرات القمر والشمس على الأرض من ناحية قوى الجاذبية، نجد أن القمر يؤثر في الأرض مرتين في اليوم تقريباً أثناء دورانه حولها مؤدياً إلى حدوث ظاهرتي المد والجزر المعروفة لدينا.

أما بالنسبة للشمس فهي، بالرغم من أنها أكبر من جميع الأجرام السماوية في المنظومة الشمسية بما فيها الأرض والقمر، إلا أنها بعيدة جداً بحدود 150 مليون كيلو متر عن الأرض ويكون تأثيرها في المد والجزر على الأرض بحدود نصف تأثير القمر على الأرض، وبالتالي يكون تثير الكواكب الأخرى على الأرض ضعيفاً جداً لا يمكن أن يسبب الزلازل فيها.

* مدير جامعة الشارقة رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yckumpat

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"