تصعيد نووي

00:30 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

أصبحت التهديدات النووية المتصاعدة «حدثاً روتينياً»، تتداوله محطات الأخبار كأنه خبر عادي، وربما لو استخدم السلاح النووي فعلياً سواء في أوكرانيا من قبل روسيا أو ضد الدول المعادية لكوريا الشمالية، التي اختبرت، أخيراً، غواصة مسيّرة قادرة على حمل رأس حربي نووي في بحر اليابان، لما كان ذلك مفاجئاً، بسبب التمهيد المتسارع لإمكانية اللجوء إليه في لحظة فارقة من التصعيد.

الحديث اليوم عن اللجوء إلى السلاح النووي تتصدره روسيا وكوريا الشمالية، فموسكو ترى أن الغرب اجتمع لهزيمتها، ودفع لأجل ذلك أثماناً باهظة، خصوصاً أوروبا التي ضخت المليارات، وأسلحة لا حصر لها، لدعم كييف في حربها، وهي بالتالي تعتبر أن أسلحتها النووية تشكّل درع حماية لها من الغرب، بعدما أعلنت بريطانيا نيّتها تزويد أوكرانيا بقذائف تحتوي على يورانيوم منضب قادر على اختراق الدروع، وهو ما عدّته موسكو تطوراً لافتاً للحرب، لا يمكن السكوت عليه، واصفة إياه بأنه «تصعيد نووي». فبوتين أكد أن بلاده سترد بشكل مناسب بعدما أعلنت عن توصلها إلى اتفاق مع بيلاروسيا الجارة والحليفة، لنشر أسلحة نووية تكتيكية فيها.

ووصل إلى ذقن الأمريكيين أيضاً، عندما حذّر أمين مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف، من أن موسكو تمتلك من الأسلحة ما يدمر أي عدو، مثل الولايات المتحدة، إذا تعرض وجودها للتهديد، كما دعا واشنطن إلى عدم التقليل من شأن القوة النووية لموسكو؛ بل اتهم أمريكا بقصر نظر، إذا اعتقدت أنها قادرة على شن هجوم نووي وصاروخي دون قدرة موسكو على الرد. وهذا لم يكن الوعيد الأول، فروسيا أكدت مراراً أنها تمتلك قوة دمار شامل قادرة على تدمير كل أعدائها.

أما كوريا الشمالية، فهي صريحة في توجهاتها عبر اختبار قوتها النووية، وصواريخها البالستية، رداً على المناورات الكورية الجنوبية الأمريكية. فمؤخراً أجرت تجربة على غواصة مسيّرة نووية قادرة على توليد تسونامي إشعاعي ضخم، يُستخدم في استهداف التشكيلات العسكرية البحرية وموانئ العدو، بالتزامن مع تهديد زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، أن هذا ليس مجرد استعراض عسكري؛ بل هو بمنزلة تحذير للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية من أجل «إدراك قدرات الردع النووي غير المحدودة لكوريا الشمالية».

إضافة إلى التطورات النووية المباشرة لموسكو وبيونغ يانغ، فإن الصين اعتزمت تطوير ترسانتها وزيادة رؤوس الدمار الشامل لديها، في حين أن المعسكر الغربي بأكمله رفع ميزانيات الدفاع، لمواجهة الخطر المحدق في ظل المعطيات العالمية الحالية.

العالم يعيش أسوأ حالاته، فالكل يستعرض عضلاته وأسلحته المدمرة، وثمة مخاوف حقيقية من أن تتفاعل هذه التحركات، بضغطة رز من هنا أو هناك، وبالتالي يدخل العالم في دوامة عنف تخلّف الملايين من الضحايا، وتدمّر العالم عن بكرة أبيه. وما يؤسف أنه بات من المستحيل التخفيف من التصعيد، لكن الأمل معقود على أن يظل في حدوده الآنية وألا يتطور للجوء إلى السلاح النووي، وعندها ستكون البشرية بأسرها ضحية صراع لا ناقة لها فيه ولا جمل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2zxmdekr

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"