الدبلوماسية الهادئة

01:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

الدبلوماسية علم، شأنه شأن باقي العلوم الإنسانية والسياسية، حِفْظُه عن ظهر قلب لا يجعل الدبلوماسي حاذقاً، ويحضرني هنا الإعلام، يدرس الطلبة هذا المساق بنظرياته وخطواته، لكن القليل من يبدعون فيه، وهنا تتدخل الموهبة كعامل رئيسي في التميّز والإبداع والابتكار، يُضاف إليها التجربة، وهي عبارة عن القراءة والإحساس العام بالحدث، ثم اللغة والأسلوب وهما نتاج كل ذلك.

 وفي المجال الدبلوماسي، يمكن استعارة تلك المعايير مع إضافة عنصر مهمّ جداً وهو الطبع، وهو خلاصة تربية ومنظومة أخلاقية وقيمية، يمكن تسمية مخرجاتها باستراتيجية الآداب، ولا نعني هنا بالآداب كتابة الشعر والرواية والخواطر وغيرها، وإنما تلك المأخوذة من التأدّب، وقديماً كان الأقدمون حين يصفون طبع فلان وعلمه يقولون: تأدّب على يد فلان وفلان، وهو أمر مكتسب، خلافاً للطبع، الذي هو موهبة من الخالق. وتحضرني هنا صفات القائد؛ إذ لا أحد يمكن أن يعلّم أحداً أن يصبح قائداً، لأن القائد يولد قائداً بالفطرة، التي تتعزّز بالخبرة الحياتية والتعامل مع شرائح البشر على اختلاف مشاربهم.

 وإذا عدنا للدبلوماسية يمكننا وضع الفطرة التي تتقاطع مع الطبع، القادمة من البيئة بمختلف عناصرها الثقافية والإنسانية، كعنصر أساسي في تكوين الدبلوماسي. ولو شئنا ضرب أمثلة واستحضار شخصيات مؤثرة ورائدة، يحضر على الفور المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسس الدولة، طيب الله ثراه، ونقول عنه، «رحمه الله» بكل ثقة، إنه وُلد قائداً، وأسس استراتيجية الدبلوماسية الهادئة، ولكن الحازمة في نفس الوقت، وقد ترعرع في بيته قادة ورثوا جينات القيادة، فكانوا قادةً بالفطرة، ومن ضمنها الدبلوماسية الهادئة الحازمة، الواضحة والصريحة، الحكيمة المتأنّية. 

وقد استُخدمت هذه الدبلوماسية، وهي أساس القوة الناعمة، في إدارة الدولة داخلياً وخارجياً، فساد الحنان السياسي، إذا جاز الوصف، على الصعيد الداخلي، وسادت العلاقات المتوازنة مع الآخر، على الصعيد الخارجي. وقد برهنت هذه المقاربة قوتها ونجاحها على أكثر من صعيد داخلي، ليس فقط في توزيع المسؤوليات، وإنما في إدارة شؤون داخلية أخرى تسبّبت بها أحداث خارجية، فكانت قيادة الإمارات كالمايستروا الذي يقود فرقة هائلة في حجمها وأنغامها وآلاتها. أما إدارة البلاد وسط منطقة تعجّ بالأحداث الساخنة، فكانت الحكمة في المقام الأول، والحزم في المقام الثاني، وقد يتداخل المصطلحان في أوقات كثيرة، فنكون أمام حكمة الحزم، وحزم الحكمة، حتى تم تجاوز الأحداث ووصلت الإمارات إلى بر الأمان.

 من الأمور التي يمكننا التوقّف عندها، وهي أن شعب الإمارات اكتسب هذه الدبلوماسية من مدرسة القيادة، فالتزم باستراتيجية حكمة الحزم وحزم الحكمة؛ بل إنه حتى وهو يحزم لا يكون انفعالياً، إنما يدير الأزمة مهما كبرت، بهدوء ورويّة. ويمكن القول أيضاً، إن كل من يقيم على أرض الإمارات، يكتسب مع مرور الوقت شيئاً من هذه الدبلوماسية المرنة. وقد تكون طبيعة العمل الآمن في الإمارات، وسهولة تخليص المعاملات، والإحساس بالرضا، والعيش في دولة القانون، كل ذلك يشكل عوامل مهمة للحصول على الشخصية الراكزة، وممارسة القيم في أرقى تجلياتها. 

 نحن لا نتحدث عن جمهورية أفلاطون، ولا عن دولة مثالية؛ إذ لكل قاعدة استثناء، ولكل مشهد «خربشاته»، لكن وفق مؤشرات الاستقرار والإحساس بالأمان، ونسبة الرضا، تتربع الإمارات على عرش الوجهات العالمية، التي يفضل فيها الناس العمل والإقامة.

 نبارك للإمارات العربية المتحدة، دولتنا الحبيبة، التعيينات الجديدة التي أصدرها بحكمة ومحبة صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، والتي قضت بتعيين سموّ الشيخ منصور بن زايد نائباً لرئيس الدولة، وتعيين سموّ الشيخ طحنون بن زايد نائباً لحاكم أبوظبي، وتعيين سموّ الشيخ هزاع بن زايد، نائباً لحاكم أبوظبي، وتعيين سموّ الشيخ خالد بن محمد بن زايد ولياً لعهد أبوظبي، ونبارك لشعب الإمارات هذه القيادة الشابة، التي ستواصل نقل الإمارات إلى فضاءات العز والكرامة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/35u9xv78

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"