عادي

الزلازل (2)

00:35 صباحا
قراءة 3 دقائق
3

د. حميد مجول النعيمي *
إن الزلازل في الأرض ناتجة عن نشاطها الجيولوجي، لأنها كوكبٌ دائمُ النَّشاط والحركة، له من حركاته المُتعدِّدة ونشاطاته الخارجيَّة والداخليَّة، ما يشهد له بالديناميكيَّة الحركيَّة النشطة، وبالتفاعلات الفيزيائيَّة والكيميائيَّة المُتعدِّدة. وتتعرض الأرض لأكثر من مليون زلزال سنوياً، لا نشعر بمعظمها، إما لضعفها، وإما لحدوثها في مناطق غير مأهولة، ولا نحس بها إلى أن تصل إلى أكثر من 4 درجات حسب مقياس ريختر (أقصاه 9 درجات)، ويكون كبيراً إذا وصل إلى 7 درجات فما فوق.

لقد ازدادت الكوارث الجيولوجية والزلازل في الثلاثين سنة الماضية، وأسبابها كثيرة ومتنوعة منها: صناعية: مثل الانفجارات النووية، وشفط النفط من آباره بباطن الأرض، وبناء سدود المياه فوق مناطق زلزالية، وحقن مياه الصرف الصحي في آبار التكسير. إلخ.

وطبيعية: مثل الانجرافات القارية وحركة الألواح التكتونية واحتكاك الصفائح القارية (إذ تتباعد القارات بعضها عن بعض سم واحد سنوياً تقريباً) وكذلك الطاقة الناتجة من احتكاك الصخور وتحرك طبقات الأرض حول الصدوع.

الزلازل والبراكين هما عمليَّتان مُتواصِلتان، فثوران البراكين قد يُصَاحَب بعددٍ من الهزَّات الأرضيَّة، كما قد تُصَاحَب الزلازل بخروج قَدْرٍ من الطُّفوح البركانيَّة، ويرتبط ذلك النَّشاط الداخليُّ للأرض بتوزيع الطَّاقة الحراريَّة فيها والناتجة عن تَحلُّل العناصر المُشِعَّة تحت غلافها الصخريِّ. ويؤدى ذلك إلى اختلاف في توزيع تلك الطاقة الحراريَّة، ذلك أنه بارتفاعها المُفاجِئ تنصهر الصُّخور وتتحول إلى كتلٍ مَائِعةٍ تطلق تيَّارات الحمل الشَّديدةُ الحرارة إلى الأجزاء السُفْلَى من غلاف الأرض الصخريِّ، حيثُ تبرد نسبياً فتتحرَّك هابطةً إلى أسفل لِتُعَاوَدَ الكَرَّة من جديد. وتؤدي حركة تلك الدوامات العاتية إلى تمزيق الغلاف الصخريِّ للأرض إلى إنتاج العديد من الألواح واللوَيْحَات التي تتحرَّك فوق نطاق الضَّعف الأرضيِّ الموجود تحت الغلاف الصخريِّ للأرض مُباشَرةً، وهو نطاقٌ توجد فيه الصُّخور في حالةٍ شبه منصهرة وعالية الكثافة واللزوجة.

ومع دوران الأرض حول محورها، وتَرنُّحها، وجَريِها، تنزلق ألواح الغلاف الصخريِّ للأرض إما متباعدة بعضها عن بعض، أو مصطدمة بعضها مع بعض، أو مُنزَلِقةً من خلال حدود البعض الآخر، ويعين على حركة هذه الألواح كلٌّ من تيَّارات الحمل النَّشطة في نطاق الضَّعف الأرضيِّ من تحتها، وملايين الأطنان من الصخور المنصهرة والطُّفوح البركانيَّة المُتدِفِّقة من خلال الصدوع الفاصلة بينها في مناطق التباعد.

بالرغم من الأضرار التي تسببها الزلازل القوية، إلا أنها ذات منافع وفوائد كثيرة جداً على الحياة والبيئة في كوكب الأرض، فالزلازل عمليات وظواهر طبيعية تشكل جزءاً من الدورة الطبيعية لكوكب الأرض (دورة التطور والتجديد). وتعطينا الزلازل صورة كاملة لما يجري تحت الأرض وتساعدنا على استخراج النفط والغاز بشكل أسهل وأكثر فاعلية وتسمح للعلماء بمراقبة المياه أثناء استخراج الطاقات الحرارية الجوفية فتجعل الوقود مثل النفط والغاز الطبيعي أسهل في الوصول إليه. إضافة إلى ذلك، فإن الزلازل تدفع المعادن إلى سطح الأرض «(أشكال الصخور والرواسب المعدنية والقشرة الأرضية). ونتيجة لهذا التغيير في قشرة الأرض يتم سحب مكونات معينة من سطح الأرض إلى الباطن وفي نفس الوقت يتم دفع مكونات أخرى من الباطن إلى السطح، فالزلازل تدفع مختلف المعادن إلى سطح الأرض وبذلك يسهل الحصول عليها وتسهل عمليات التعدين.

والزلزال اهتزاز في الأرض بسبب تحرك مفاجئ للصفائح التكتونية في قشرة الأرض. وأثبت بعض العلماء أن هناك علاقة وطيدة أحياناً بين نزول الأمطار الغزيرة وحدوث الاهتزازات، فضلاً عن وجود علاقة بين دفع المواد الأساسية للحياة إلى أعلى سطح الأرض مثل النفط والغاز المستخدم في الطاقة والتعدين والزراعة.

والله سبحانه وتعالى أوضح ذلك قبل 1444 سنة هجرية في الآية الكريمة من سورة فصلت 39.

«وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ۚ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۚ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».

تنص الآية الكريمة على أن الأمطار تجعل الأرض تهتز وتحولها من حالة الصمود إلى حالة الحياة. وكلمة ربت هنا تعني ارتفاع الشيء إلى الأعلى وهو النبات والزرع.. إلخ وهذه كلمة واضحة تخص الفوائد والآثار الإيجابية لاهتزاز الأرض وأهمية ذلك الاهتزاز لحياة البشر.

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ» الحج: 1

* مدير جامعة الشارقة رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/386ru5cn

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"