عادي

في غرفة «التعاون» فيل

00:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
يوسف الحسن

د. يوسف الحسن

لنسأل أنفسنا: ماذا فعلت أربعة عقود في حياة مجلس التعاون الخليجي؟ نعترف بأهمية الولادة في أزمنة الحرب الإيرانية - العراقية، وبالتلاحم والتعاضد في زمن كارثة الاحتلال العراقي للكويت، ولحظات النخوة والاستجابة لعدد من المعضلات الأمنية، وتلبية أشواق شعبية للتثاقف والتآزر والتوحد تجاه قضايا ومواقف وتنسيق ومبادرات في التجارة البينية والتنقل وغيرها.

لكن، ولنكن صرحاء، ما زلنا نتلعثم أمام إرادة التكامل، والتوافق على تحديد الأولويات والمهددات المشتركة، وترسيخ الثقة المتبادلة، واستكمال مقومات الوحدة الاقتصادية، ومنظوماتنا الدفاعية والأمنية المشتركة، بما فيها الأمن الغذائي والمائي، وبلورة سياسة خارجية متناسقة وفاعلة، تحفظ مصالح الجميع وتجنبنا الصراعات الخارجية، وتلبي طموحات الناس، وتستجيب إيجابياً لتحديات وتحولات العصر.

دار الزمان دورته، وما زلنا نتعثر في مرحلة (التعاون) ولم ننتقل إلى مرحلة (التكامل)، ولم نجترح ونتوافق على رؤية مشتركة تجاه التحولات الإقليمية والدولية الجارية، أو إجراء حوارات متعمقة، تجمع ما بين التشخيص والاستشراف، وتمهد لبناء علاقات ومستقبل أفضل وفاعل لهذه المنظومة الخليجية العربية، للتفاعل مع تحديات ومتغيرات جارفة وعميقة وعاصفة لم تكن متوقعة.

تفاءلنا بنتائج قمة العلا، حينما طويت صفحة سنوات مقلقة من عمر منظومة مجلس التعاون، وحلمنا بتدشين مرحلة جديدة تعلي المصلحة المشتركة، وتبلور رؤية مشتركة، وتعزز ثقافة التعاون والتنسيق والتشاور في معالجة الأزمات، وخاصة أن إقليم الخليج أصبح الآن قبلة تنافس كبرى بين قوى إقليمية وعظمى في مجالات السياسة والاقتصاد والقوة الصلبة والتكنولوجيا المتقدمة.

وأخشى أن يكون ذلك سلاحاً ذا حدين، إذا لم تتماسك المنظومة الخليجية، وتعيد هندسة علاقاتها البينية، أو تجاهل حقيقة وجود «فيل في الغرفة»، وفق العبارة المجازية التي تشير إلى ما يتوجب الحديث عنه، وعدم إنكاره أو السكوت عنه.

نعم، هناك وجهات نظر متباينة داخل أروقة المنظومة الخليجية حول حزمة من الملفات المعقدة العربية والإقليمية، فضلاً عن التموضعات الجديدة في مسارات زلازل التغيرات في النظام العالمي وارتداداتها.

لا أحد عاقلاً إلا يرحب بعودة مياه العلاقات الدبلوماسية بين المتخاصمين أو المتنافسين. ولا أحد مهموماً ومعنياً بالاستقرار والسلام والتكامل بين دول حوضي الخليج والبحر الأحمر وشرق المتوسط، إلا انتابه الفرح والغبطة بالتوصل إلى تهدئة حقيقية وتعاون وسلام في الإقليم.

ما نحتاج إليه دوماً هو مقاربة شمولية لهذه الاتفاقيات والمبادرات، حيث لا يكفي الترحيب بها، واعتبارها خطوة إيجابية لحل الخلافات، وإنهاء النزاعات الإقليمية بالحوار والدبلوماسية وبناء الجسور.

انعطافات جذرية، تجري الآن، تفاهمات وتسويات وصفقات، دول كبرى تستدير سياسياً على إيقاع المتغيرات، ودول كبرى أيضاً تدخل المسرح الإقليمي لأول مرة.

أسئلة صعبة تطرح اليوم على منظومة مجلس التعاون الخليجي. أسئلة في التوازنات والهواجس والخيارات، والمهم أن تظل المنظومة ككل، من خلال التنسيق والتشاور والتفاوض الجماعي، على لائحة الحضور في هذه التفاهمات والاتفاقيات ولا نأتيها فرادى، على طريقة مسابقات «ملكات الجمال».

هناك علامات كثيرة تحمل على الظن بأن تجاهل وجود «فيل» في «غرفة» منظومة التعاون الخليجي، لن يساعد على تعزيز التفكير الاستراتيجي الجمعي، تجاه مستقبل العلاقات مع الدول الإقليمية الكبرى (منها إيران وتركيا) وهي دول تتمتع بمرونة تكتيكية هائلة، وحسابات استراتيجية وأحلام إمبراطورية، وقدرات لا يستهان بها على المناورة وضبط النفس وحتى الإنكار.

كما لن يساعد على هندسة شمولية ل«قطبية تعددية إقليمية» تضمن أن تكون الصين، على سبيل المثال، بعد الفشل الأمريكي ستتحمل تبعات رعاية «الاستقرار الاستراتيجي» في حوض الخليج، وفي قوس الأزمات المشرقي وشمال إفريقيا.

......

لا أحد يكسب على المدى الطويل، كما يقول مثل شرقي، لو عبر النهر منفرداً. إن عبور النهر يحتاج إلى عمل جماعي يساعد على تلمس كافة صخور النهر».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5n84rhyy

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"