عادي
«فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ»

نوح يبتهل لمولاه

01:03 صباحا
قراءة 3 دقائق
1

د. سالم الشويهي

من دعاء نوح، عليه الصلاة والسلام، لربه جل جلاله:«رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا». وكم نَعجب من هذا النبي الكريم أنه يبتهل إلى مولاه ويقول:«رَبِّ اغْفِرْ لِي»: يا الله، بعد كل ذلك الجهد الجهيد ومئات السنين التي قضاها في الدعوة إلى الله، والصبر والمصابرة، وما ناله في الله من الأذى والاستهزاء يستفتح دعاءه بالتوسل إلى مولاه بأن يغفر له.

ومما نستفيده من دعاء نبي الله نوح أن نبدأ ونخص أولاً أنفسنا بالدعاء فهذه سنة الأنبياء والرسل في الدعاء. ومما يُستفاد من هذا الدعاء العظيم أن نُثَني بأقرب الناس إلينا، ولذا قال: «وَلِوَالِدَيَّ»، لأنهما أولى وأحق بالدعاء لعظم فضلهما ولزوم الدعاء للوالدين من أجل البر وأصدقه وأنفعه وعدم الدعاء لهما من أعظم العقوق قال العلماء في قوله تعالى:«وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا» والأمر يقتضي الوجوب وفي الآية إيماء إلى أن الدعاء لهما مستجاب لأن الله تعالى حث عليه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثٍ: وذكر منها:(أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ» وفي الحديث:«إنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى لي هذا؟ [أي: من أين لي هذا؟ لأنه يعرف أنه ليس من أهل هذه الدرجة]، فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ».

ثم قال في دعائه عليه السلام:«وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا» وفي هذا تنبيه وإرشاد لمصاحبة الأخيار، كما وجهنا لذلك النبي المختار، عليه الصلاة والسلام، بقوله:«لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ» فإن في صحبتهم السلامة، والثبات على الدين، ثم عمم نوح عليه السلام الدعاء، فقال:«وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ». وهذا دعاء عام بالمغفرة لكُلِّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَصَدَّقَ الرُّسُلَ من جميع الخلق إلى قيام الساعة وفي هذا سر عجيب لهذه العقيدة التي تربط بين أصحابها برباط الحب الوثيق، والشوق العميق، في كل مكان وعلى مدار الأزمان.

قال بعض العلماء: «إن الله الذي استجاب لنوح عليه السلام فأغرق بدعوته جميع أهل الأرض الكفار لجدير أن يستجيب له فيرحم بدعوته جميع المؤمنين والمؤمنات».

ويدخل في ذلك هذه الأمة المباركة أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، فهي التي ستشهد بتبلغيه لدعوته ودحض تكذيب قومه له ولذا قال في ختام دعائه:«وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا»، أي: هَلَاكًا وَدَمَارًا فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ فَأَهْلَكَهُمْ.

ونوح، عليه السلام، كما دعا على جميع الكفار ممن هم فوق الأرض، فقد دعا لجميع المؤمنين إلى يوم العرض فهذه الدعوة المباركة لها من الأهمية الشيء الكبير، وينال الداعي بها الإجابة بفضل الله وذلك لأمور:

أولاً: أنها دعوة نبي من أولي العزم من الرسل ودعوة الأنبياء مستجابة، فيرجى لنا استجابة اللَّه له فينا وقد قال تعالى: «وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ».

ثانياً: أنها دعوة بظهر الغيب. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«دَعْوَةُ المَرْءِ المُسْلِمِ لأَخيهِ بِظَهْرِ الغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ (يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ) كُلَّمَا دَعَا لأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ وَلَكَ بِمِثْلِهِ»، أَيْ: أَعْطَى اللهُ لَكَ بِمِثْلِ مَا سَأَلْتَ لِأَخِيك.

ثالثاً: أن من أعظم ما يقدمه المؤمن لأخيه الدعاء.

وفي ذلك الأجر العظيم والثواب الجزيل كما بشرنا النبي الأمين عليه الصلاة والسلام فقال:«مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَة حَسَنَةً».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/36vudj6h

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"