عادي
قرأت لك

«ديوان علي بخيت العميمي»... استراحة في رحاب الشعر

21:05 مساء
قراءة 5 دقائق
سلطان العميمي - الغلاف

الشارقة: علاء الدين محمود

تجد المؤلفات التراثية اهتماماً كبيراً وسط جمهور القرّاء والمعاهد البحثية في الإمارات، وبصورة خاصة مؤلفات الشعر النبطي الذي يوثق للتاريخ والحياة والبيئة والمجتمع في الدولة، وهناك الكثير من الكتب التي تحتفي بسيرة رواد الشعر الشعبي وأعمالهم ونصوصهم التي كانت في الأصل متناقلة بطريقة شفاهية، لتدخل مرحلة الجمع والتوثيق في مؤلفات ومراجع.

كتاب «ديوان الشاعر علي بخيت العميمي القصائد الذاتية الأعمال الكاملة»، الصادر في طبعة أولى عام 2022، من إصدارات معهد الشارقة للتراث، يعد من المؤلفات المهمة للباحث والشاعر سلطان العميمي، وفيه يتابع سيرة وأشعار والده علي بخيت العميمي؛ ذلك الشاعر الكبير الذي أنجز العديد من القصائد في مختلف الأغراض، ويقدم الكتاب تطوافاً بديعاً وإضاءات مهمة حول الشخصية، إلى جانب أشعار ربما لم تكن في متناول الكثيرين؛ حيث كانت مسيرة هذا الرائد حافلة بالكثير من العطاءات والإبداعات الأدبية والتي تمتد لنصف قرن؛ إذ كتب الشعر منذ الخمسينات، واشتهر بالمساجلات الشعرية، وشارك في العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية وعرف بقصائده الوطنية والاجتماعية.

* مناخ

يقع الكتاب في جزءين ويضم 473 صفحة من القطع الكبير، ويشتمل على مقدمة، وسيرة حياة الشاعر، والقصائد الذاتية، وقصائد التغرودة، ومقاطع الرزفة، وكلها أشكال وأنواع من الشعر الشعبي النبطي، إضافة إلى قائمة بالمصادر والمراجع، ويشير مؤلف الكتاب إلى الصعوبة في الكتابة عن والده؛ حيث إن تلك العلاقة بين الباحث وأبيه الشاعر تجعل رؤيته لقصائد والده مختلفة عن نصوص الشعراء الآخرين، كما أن رؤية الآخرين لشعر والده ستكون مختلفة عمّا يراه هو لقصائده، ويلفت المؤلف إلى مرحلة ما بعد الاستقرار التي شهدتها الحياة في الدولة بعد قيام الاتحاد عام 1971؛ حيث كان لتلك الفترة تأثيرها في أغراض الشعر النبطي ومواضيعه ولغته وصياغته عند الشعراء، بمن فيهم شاعر هذا الديوان، كما أسهم حضور الإعلام القوي بعد تلك المرحلة، وانتشار برامج الشعر التلفزيونية والإذاعية في تعزيز انتقال الشعر النبطي المحلي إلى مرحلة جديدة على مختلف الصعد الفنية والموضوعية للشعر النبطي؛ حيث اكتسبت القصيدة التلفزيونية والإذاعية ملامح جديدة ومميزة لها، مثلما اكتسبت القصائد المكتوبة والمنشورة في الصحف والمجلات، وغير ذلك، ملامح خاصة بها أيضاً، وكان لدخول الشاعر علي العميمي عالم برامج الشعر التلفزيونية والإذاعية، دور في إحداث تغيير واضح في مضمون قصيدته النبطية ولغتها.

ويشير الكتاب إلى أن الشاعر علي العميمي، قد ولد على وجه التقريب، عام 1935، في إحدى المناطق البرية قرب أحد موارد المياه المعروفة في المنطقة الواقعة بين أراضي إمارتي رأس الخيمة وأم القيوين، بقرب «الوياية»، وكان والد علي العميمي هو الآخر شاعراً بدوياً متنقلاً بين مناطق الإمارات الشمالية، إلا أنه كان مقلاً، وعاش الشاعر علي العميمي في كنف والده في فترة الطفولة، ثم انتقل للعيش مع عائلته وأخواله في مناطق البادية في إمارة رأس الخيمة، مثل الحمرانية والدقداقة والخران، وهي الأماكن التي عاش فيها الشاعر الكبير الماجدي بن ظاهر في أواخر حياته ودفن هناك، وعقب وفاة والدة علي العميمي، عاش الشاعر معتمداً على نفسه في تلك المرحلة المبكرة من عمره؛ حيث عانى كثيراً وتعرض لعدد من الأمراض كاد بعضها أن يودي بحياته، إلى أن استقر في إمارة دبي عام 1952، وتحديداً منطقة مشرف مع أخيه محمد بن سلطان، وعمل ضمن فريق الحراسة في «مربعة أم الريول»، في دبي لفترة تمتد من 8 إلى 9 سنوات.

لم يتلق علي العميمي، أي نوع من أنواع التعليم، لكنه قرض الشعر في وقت مبكر من عمره، وكان ذلك قبيل بلوغه سن العشرين عاماً؛ حيث تساجل في عقد الخمسينات من القرن الماضي مع العديد من شعراء الإمارات، ورافق بعضهم، وعمل مع بعضهم الآخر، وفي بداياته الشعرية تلك، شارك بصورة دائمة في فن «الرزيف»، الذي يقام ويؤدى في الأعراس، وبعض المناسبات الاجتماعية الأخرى، وينظم فيها الشعراء مقاطع شعرية وفق نمط معين، ويتم ارتجالها والرد عليها في حينها، وأسهمت المساجلات التي خاض غمارها الشاعر في بداياته الشعرية في إحداث دور كبير في الاعتراف بموهبته من قبل أفذاذ في مجال القصيدة النبطية أمثال: مبارك بن نواس الكتبي، وعيسى بن شقوي العليلي، ومبارك بن هاشل الخبصي، ومجرن بن سيف الكتبي، وسيف بن ثالث الحميري، ومحمد بن خلفان بن حزيم الفلاسي، وحمد بن بدر العليلي، ومطر بالخيصي الكتبي، ومطر بن سرور الكتبي، كما تعرف إلى عدد كبير من الشعراء المعروفين حينها.

*تجربة ثرية

وفي أواخر الثمانينات من القرن الماضي، كان علي العميمي عضواً في عدد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية المختصة بالشعر مثل برنامج «مجلس الشعراء» في تلفزيون دبي، و«شعراء القبائل»، في تلفزيون أبوظبي، إلى جانب عدد من البرامج التي تقدم في المحطات الإذاعية في الشارقة ورأس الخيمة وأم القيوين، كما شارك في العديد من الأمسيات الشعرية، وصدر له ديوانان وثقا جزءاً كبيراً ومهماً من تجربته الشعرية؛ حيث كان الأول عن وزارة الإعلام والثقافة، بعنوان «ابن البادية»، عام 1993، أما الثاني فقد صدر عن طريق نادي تراث الإمارات، عام 2012، وهو من إعداد الباحث د. راشد بن أحمد المزروعي، ويعد الشاعر علي العميمي، من الشعراء غزيري الإنتاج، وإضافة إلى كونه شاعراً فهو ناقد؛ حيث تجلى منهجه النقدي في الشعر من خلال قصائده التي أشار فيها إلى خطر الدخلاء على القصيدة، وإلى ضرورة الاختيار الجيد للغرض الشعري، وكذلك الصور التي تليق بهذا الأدب الرفيع وبذائقة المتلقي.

*عبق البادية

تحضر بيئة البادية بمختلف صورها وعناصرها في قصائد علي العميمي بشكل جلي، بما في ذلك المفردات والأوزان الشعرية الأكثر رواجاً في تلك البيئة، والتي ينظم عليها عدد غير قليل من قصائده مثل: «الونة والتغرودة والردح والعازي»، وكذلك بعض الفنون الشعبية المرتبطة بالشعر وارتجاله مثل فن الرزفة، ويميز الكتاب بين مرحلتين في التجربة الشعرية للعميمي، أثرتا في أغراضه الشعرية، الأولى هي ما قبل دخوله عالم الإعلام الشعري؛ حيث تميزت تلك المرحلة الأولى بالتلقائية والعفوية في نظم القصائد، وتميزت الفترة الثانية؛ أي بعد دخوله في المشاركات في البرامج التلفزيونية، بتغير علاقة الشاعر بالقصيدة، وبرزت أفكار جديدة مختلفة عن تلك التي كانت في المرحلة الأولى، ويرصد الكتاب أربعة أغراض شعرية توجهت نحوها قصيدة علي العميمي، وهي الغرض العاطفي، والمدح، والشعر الاجتماعي، والقصائد الذاتية.

وفي عام 2005، تعرض الشاعر علي بخيت العميمي، إلى عارض صحي، كان له أثر في حياته؛ حيث اعتزل نظم الشعر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/jkzy5h7z

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"