عادي

الرواية... رؤية معرفية عن العالم

00:35 صباحا
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

الأساس الذي ينطلق منه روجر ب. هينكل في كتابه «قراءة الرواية مدخل إلى تقنيات التفسير» (ترجمه إلى العربية د. صلاح رزق) هو أن بإمكان كل قارئ ذكي أن يتعلم - على نحو منطقي موضوعي - قراءة الرواية قراءة نقدية؛ لذا اهتم المؤلف بالكشف عن المناهج، ثم شرح عناصر الرواية: التشخيص، والبناء، والمشهد، والسبل التي صممت بها بحيث تكون أساساً صالحاً لفهم الرواية خلال عملية القراءة.

يرمي الكتاب إلى الاعتماد عليه داخل قاعات الدرس؛ فقد أُعد بحيث يكون صالحاً للتطبيق مع كل رواية جيدة؛ فمعظم الدراسات التي تُعنى بالقراءة النقدية تسلك أحد سبيلين؛ فإما أن تتخذ من مجموعات القصص القصيرة أو المقتطفات الروائية ما تعتمد عليه في تحقيق ما تنشده من إيضاح المداخل المتعددة للقراءة النقدية، وإما أن تسوق ملخصات المقالات النقدية النظرية المعنية بدراسة الرواية، وغالباً ما يتطلب المسلك الأول الإحاطة بالقصة التي يتم تناولها. أما المسلك الآخر فيتمثل في مجموعة من المقالات التي أُعدت كي تناسب نوعاً خاصاً من القُرّاء.

اعتمد كل فصل من فصول الكتاب في تناول قضيته على نماذج من الروايات التي عادة ما يكون طلاب السنوات الجامعية الأولى قرأوها أو سمعوا بها، كما خُطط كل فصل داخلياً بحيث يمنح الدارسين قدراً من الوعي بالخلفية المعِينة على تبيّن ما ينبغي استكشافه حين يمارسون عملية قراءة الرواية بمفردهم. وتضمّن الكتاب أيضاً قدراً ملحوظاً من المفاهيم النظرية، وقد قدّم المؤلف للقراء كثيراً من الأفكار التي كُتبت حول نظرية الفن ونقد الرواية.

يسوق المؤلف تصوّره لنمط القراءة التي يراها منهجية، ومن شأنها خدمة القارئ وخدمة النص، فيتوجه مباشرة إلى استكشاف ما ينشده القارئ من وراء قراءة الرواية ماثلاً في إدراك الشفرة الخاصة بالدلالة وتبين الأطر الفنية التي يقدم النص من خلالها، وكيفية تحليل تلك الأطر، وتحديد ما هو جوهري أساسي أو ما يبدو زائداً من شخوص الرواية وأحداثها.

*قراءة واعية

يجتهد المؤلف معتمداً على ضرب الأمثلة من بعض الروايات الرائجة في التدليل على أن القراءة الواعية التي تتجاوز أمر التسلية من شأنها أن تزيد المتعة لا أن تفسدها حين تمنح القارئ لذة من نوع راقٍ؛ هي لذة إدراك النسق الخاص بالحديث. كما أن الرواية يمكن أن تكون وسيلة إدراك معرفي بمقدورها أن تزودنا برؤية صحيحة عن عالم الحياة والأحياء والعلاقات الإنسانية تفوق في قدرتها على التأثير فينا ما يمكننا تحصيله من علم الاجتماع، والتاريخ، والنفس، والإنسان.

حين يتناول المؤلف الرواية النفسية يُعيد التنبيه إلى أن المصطلح المستخدم في تمييزها لا يُقصد منه سوى تقريب المعالجة، ولا ينكر أن كثيراً من الروايات التي نعدها روايات اجتماعية تتعرض للحياة النفسية لشخصياتها، كما أن الروايات النفسية تعطينا عادة صوراً اجتماعية، ولعل الفرق الأول الذي يمكن رصده بين النوعين يتمثل في أن الرواية النفسية تتشكل تبعاً للتجارب العقلية والعاطفية لشخص أو بعض الأشخاص، في حين أن الرواية الاجتماعية تتشكل اعتماداً على تشابك التفاعل الاجتماعي.

وحين يتساءل القارئ عن الكيفية التي يمكننا بها تحديد هوية رواية تنتمي إلى نمط الرواية النفسية يؤكد أن معظم أحداث هذا النمط من الروايات أحداث داخلية تقع في أعماق الشخصيات الروائية شأنها في ذلك شأن الأفكار الخاصة التي تجوس خلال الذهن.

يرى المؤلف أن عملية تفسير الرواية الاجتماعية هي عملية تفسير لحياتنا الخاصة؛ ذلك لأن التماثل بين الحياة الفعلية والحياة المصورة في الرواية يبدو شديداً، بحيث لا يمكننا معه أن نتجنب الوقوع في نقل المعنى من واحدة إلى أخرى، ومن ثم يجب علينا حين نفسر رواية اجتماعية أن نبحث عن تفسيرات الطبيعة الخاصة للمجتمع كيف يعمل؟ وما العناصر الفعّالة في تكوينه الموجهة لحركته؟ وما قيَمه السائدة؟ ومن المحتم أننا سوف نجد أنفسنا أمام ملامح واضحة للمجتمعات الإنسانية عامة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/m7wbua8u

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"