عادي

العلاقات السعودية - الإيرانية تفتح الأبواب المغلقة

00:24 صباحا
قراءة 4 دقائق

د. محمد عباس ناجي*

اتخذت كل من السعودية وإيران خطوات جديدة في سبيل استئناف العلاقات الدبلوماسية. فبعد اللقاء الذي جمع وزيرى خارجية البلدين في بكين، في 6 إبريل (نيسان) الجاري، وتم خلاله الاتفاق على تعزيز العلاقات في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية، تبادل الطرفان زيارتين على المستوى الفني لبحث آليات إعادة افتتاح مقار البعثات الدبلوماسية والقنصلية. وفي الواقع، فإن ذلك يشير إلى أن الدولتين، بدعم من جانب الصين، تحاولان الإسراع في إتمام الاتفاق الذي وقع في بكين في 10 مارس(آذار) الفائت.

السعي الحثيث لوضع أسس واضحة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين يعود إلى أنهما تعتبران أن الخطوة التي اتخذت في الصين، سوف تفرض، على المستويين المتوسط والبعيد، تداعيات إيجابية عديدة، ليس فقط على الصعيد الثنائي، وإنما أيضاً على المستوى الإقليمي.

فعلى المستوى الثنائي، كان لافتاً أن الدولتين تعولان بشكل كبير على المعطيات الجديدة التي سوف ينتجها استئناف العلاقات الدبلوماسية، وهى المعطيات التي قد لا تقتصر على المستوى السياسي وإنما تمتد إلى الصعيد الاقتصادي، في ظل ظهور تصريحات سعودية بإمكانية ضخ استثمارات في إيران، مقابل تصريحات إيرانية بشأن قرب إنشاء غرفة تجارية مشتركة بين الطرفين، تهدف إلى رفع مستوى التبادل التجاري خلال المرحلة القادمة.

رؤية 2030

ففي رؤية الرياض، فإن هذا المسار يتماهى مع الاتجاه العام الذي تتبناه ويقوم في الأساس على منح الأولوية للتنمية والاستقرار الإقليمي، في ظل الرؤية الاستراتيجية (2030) التي تتبناها السعودية، وتسعى من خلالها إلى تعزيز مكانتها الإقليمية والدولية.

هذا التوجه يتطلب في المقام الأول استثمار «الانعطافة» اللافتة في السياسات الخارجية لبعض دول المنطقة، والتي بدأت في تغيير أنماط تفاعلاتها مع التطورات الطارئة على الساحة الإقليمية، على غرار إيران وتركيا، فضلاً عن مواصلة الجهود التي تبذل من أجل الوصول إلى تسويات سياسية لبعض الأزمات الإقليمية التي تفاقمت تداعياتها السلبية على الأمن والاستقرار الإقليمي، وفي مقدمتها الأزمة في اليمن، بالتوازي مع تحييد التأثيرات السلبية للأزمات العالمية وفي مقدمتها حالياً الحرب الروسية – الأوكرانية.

وفي رؤية طهران، فإن استئناف العلاقات الدبلوماسية مع السعودية يمثل مدخلاً أساسياً لمعالجة التداعيات السلبية التي تمخضت عن تفاقم الأزمات، على المستويين الاقتصادي والسياسي، وربما الاجتماعي أيضاً. إذ كان التوتر هو السمة الرئيسية للعلاقات بين إيران وكثير من دول الجوار، وهو ما توازى مع تصاعد حدة العقوبات الأمريكية التي أنتجت أزمة اقتصادية حادة لم تنجح الإجراءات التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة في احتوائها، بشكل كان له دور أيضاً في اندلاع الاحتجاجات الداخلية التي استمرت لأكثر من خمسة أشهر.

واللافت في هذا السياق، هو أن ثمة اتجاهات عديدة داخل إيران بدأت في الترويج إلى أن الخطوات التي اتخذت على صعيد استئناف العلاقات الدبلوماسية سوف تُهيِّئ المجال أمام رفع مستوى التعاون الاقتصادي.

أزمة الاتفاق النووي

وربما تتوازى هذه التطورات مع خطوات إيجابية قد تتخذ على مستوى أزمة الاتفاق النووي مع القوى الدولية، خاصة في ظل تراجع حدة التوتر في العلاقات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد الزيارة التي قام بها المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفاييل غروسي إلى طهران في 3 و4 مارس(آذار) الفائت، بالتوازي مع بروز مؤشرات حول احتمال إبرام اتفاق نووي مؤقت يقضي بوقف تخصيب اليورانيوم بمستوى 60% مقابل تخفيف جزئي للعقوبات الأمريكية.

احتمالات قائمة

على ضوء ذلك، يمكن القول إن الخطوات التي اتخذت على مدى شهر كامل بين الرياض وطهران كلها صبت في المسار الإيجابي الذي بدأ في 10 مارس(آذار) الفائت. لكن استمرارها على هذا المستوى، وربما اتخاذها منحى أكثر إيجابية، خلال المرحلة القادمة سوف يتوقف على عاملين رئيسيين: الأول، مدى وجود توافق داخلي إيراني على تطوير العلاقات مع دول الجوار، لاسيما السعودية، خاصة أن ذلك - كما جاء في اتفاق بكين- يفرض على إيران التزامات محددة مثل عدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة الآخر. إذ إن هذا التوافق يكتسب أهمية وزخماً خاصاً لتفعيل الاتفاق وتحصينه ضد أية تحديات محتملة قد تواجهه في المستقبل.

والثاني، السيناريوهات المحتملة التي يمكن أن تتجه إليها أزمة الاتفاق النووي. فإلى الآن، لم يتحدد بعد ما إذا كان من الممكن الوصول إلى صفقة جديدة تنقذ الاتفاق الحالي الذي يواجه اختباراً صعباً في المرحلة الحالية، أم تتفاقم حدة الأزمة الحالية، باستمرار الأنشطة النووية الإيرانية على هذا المستوى غير المسبوق، الذي انعكس في تصريحات مدير منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي الذي قال، في 9 إبريل(نيسان) الجاري، إن «إيران تستطيع تخصيب اليورانيوم بالنسبة التي تريدها»،إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مؤقت ينزع فتيل الأزمة مؤقتاً إلى حين تبلور ظروف أكثر نضجاً لإبرام صفقة متكاملة في مرحلة لاحقة.

هنا، فإن هذه السيناريوهات في مجملها سوف تفرض بدورها تأثيرات مباشرة على المستوى الإقليمي، وإن بدرجات مختلفة، وبالتالي سوف يكون لها دور في ضبط إيقاع التفاعلات التي تجري على الساحة الإقليمية، لاسيما فيما يتعلق بالتطورات الجديدة التي طرأت على صعيد العلاقات بين إيران وبعض دول الجوار. ومن دون شك، فإن ذلك يعود في المقام الأول إلى أن أزمة الاتفاق النووي ليست أزمة فنية حصراً، خاصة بالخلاف حول مستويات التخصيب أو الوصول إلى مرحلة «العتبة النووية» وغيرها، وإنما هي أزمة سياسية وإقليمية بامتياز.

من هنا، يمكن القول في النهاية إن هذه التداعيات المتعددة والاحتمالات المختلفة كلها تعني أن إعادة استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران سوف يدشن مرحلة جديدة في أنماط التفاعلات التي تجري على مستوى منطقة الشرق الأوسط، في ظل المكانة الاستراتيجية التي تحظى بها كل من السعودية وإيران على الساحة الإقليمية، لكن المدى الذي سوف تصل إليه سوف يعتمد على متغيرات أخرى مرتبطة باستحقاقات استراتيجية ما زالت مؤجلة.

* خبير بمركز الأهرام للدراسلات السياسية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yyt2avex

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"