ممارسة السلام

إدارة الصراع في جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية
23:28 مساء
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 8 دقائق
2
2
2

عن المؤلف

الصورة
1
آري غلاس
آري غلاس أستاذ مساعد في قسم العلوم السياسية وأستاذ مشارك في مركز دراسات جنوب شرق آسيا في جامعة إلينوي الشمالية. يركز في أبحاثه على إدارة الصراع والحوكمة داخل المنظمات الإقليمية في جنوب الكرة الأرضية، مع التركيز بشكل خاص على الآسيان.

جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية منطقتان تتكونان من دول غير ليبرالية إلى حد كبير تفتقر إلى وجود قوى عظمى أو هويات جماعية. لكن على الرغم من النزاعات الإقليمية المستمرة، وعدم استقرار الأنظمة، والتنافس بين الدول، فإن المنطقتين قد تجنبتا الحروب الكبرى لعقود. ما الذي يفسر عدم نشوب حروب هناك، والأهم من ذلك، كيف تتم إدارة الصراعات؟

يقدم آري غلاس في هذا العمل منظوراً إقليمياً مقارناً لإدارة الصراع والدبلوماسية في جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية. ويجد أن العلاقات الإقليمية بين الدول تتشكل من خلال سلوكات معتادة معينة على شكل مجموعات منفصلة من الصفات الإجرائية والموضوعية للعلاقات التي تفهمها وتنفذها مجتمعات الممارسة الدبلوماسية. ويرى أن السلوكات الاعتيادية المختلفة في كل حالة، تشكّل إدارة الصراع والنزعة الإقليمية بطرق مهمة، وتؤدي إلى التسامح مع العنف الإقليمي المحدود.

 يعتمد المؤلف على أساليب البحث الجديدة والمقابلات التفصيلية مع الممارسين الإقليميين، ويتحدى الادعاءات العلمية القائمة حول السلام في جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية. ويشير غلاس إلى أن المسؤولين نجحوا في إدارة الصراع المتفشي دون حرب في المنطقتين. ويقدم نظرة متعمقة حول كيفية انتشار الدبلوماسية وممارسة السلام داخل المجتمعات الدبلوماسية، من الجهات الحكومية إلى المسؤولين التنظيميين أثناء محاولتهم الرد على النزاعات الإقليمية وحلها.

 السلام المتضارب

يهدف هذا الكتاب إلى استكشاف وتفسير السلام المتضارب في جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية. للقيام بذلك، يسلط المؤلف الضوء على أصوات وخبرات وممارسات المسؤولين الدبلوماسيين في كل من هذه المناطق من جنوب الكرة الأرضية. يعتمد المؤلف على اقتراح فينسينت بوليو بأن «السلام موجود في الممارسة ومن خلالها عندما يجعل الحس العملي لمسؤولي الأمن الدبلوماسية طريقة بدهية لحل النزاعات بين الدول». يرى المؤلف أن هذه هي الحال في كل من جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية. في كلتا الحالتين الإقليميتين، يتم تقييد العلاقات بين الدول من خلال عادات وممارسات تعاون خاصة وبدهية إلى حد كبير، تولد علاقات تعاونية وتسامحاً مع عنف محدود بين الدول.

 تتباين في الفصول الصفات المعتادة والعملية للعلاقات بين الدول، بدءاً من كيفية السعي إلى التوافق، وانتهاء بما تبدو عليه الوساطة الفاعلة عبر المجتمعات الإقليمية للدبلوماسيين. يجد المؤلف أن الانتباه إلى هذه الصفات المتنوّعة من السلوكات الدبلوماسية الإقليمية المعتادة التي تسمح لنا بفهم الديناميكيات المحيرة الواضحة في هاتين المنطقتين، تتلخص في بناء المجتمع إلى جانب مستويات مستدامة من العنف بين الدول وأنماط الصراع طويلة الأجل والتعاون على نطاق أوسع. ويأتي هذا العمل، ليحقق في أسس السلام الطويل والصراع لكل منطقة من وجهة نظر أولئك الذين يمارسون السلام.

 يقدم المؤلف هذه الدراسة في خمس خطوات. أولاً، يستعرض السلام والصراع في كل من جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية، لتوضيح اللغز في قلب هذا الكتاب: السلام الطويل ولكن المتضارب في كل منطقة. في الفصل الثاني، يستكشف بإيجاز الروايات الموجودة عن هذا الواقع. هذه الروايات تقلل من دور سلطة الدولة والمنظمات الإقليمية وقواعد السلوك المناسب في تشكيل العلاقات الإقليمية. في الفصل الثالث، يناقش المؤلف بإيجاز أن السلام الإقليمي هو نتاج مجتمعات الممارسة الدبلوماسية التي تدير الصراع بفاعلية بطرق معينة كنتيجة لتصرفات اعتيادية معينة، ويرى أن مجتمعات الممارسة هي مجموعة محدودة نسبياً من الأفراد المحددين ويمكن ملاحظتهم من خلال أربع صفات: مشروع مشترك مشترك، وتفاعلات كثيفة، وذخيرة مشتركة أو أدوات عمل، وشعور بالتشابه في التفكير..

 تعقيدات سياسية

في 15 ديسمبر/ كانون الأول 2008، دخل ميثاق رابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان» حيز التنفيذ. أصبحت بموجبه الدول العشر الأعضاء (كمبوديا وبروناي وإندونيسيا ولاوس والفلبين وماليزيا وميانمار وسنغافورة وتايلاند وفيتنام) ملتزمة بالمبادئ والأعراف المشتركة للعلاقات الإقليمية في المحيط الهادئ. وبعد ستة أشهر، وضعت هذه الدول مخططاً لمجموعة «آسيان» الطموحة لزيادة تعميق التكامل الإقليمي. ومع ذلك، في محيط التقدم المحرز في هذا المشروع الإقليمي، اندلع الصراع العسكري بين الدول بشكل دوري في عام 2008 ومرة أخرى عام 2011. أدت الاشتباكات العنيفة على طول الحدود التايلاندية  الكمبودية إلى نزوح ما يصل إلى مئة ألف شخص، وجرى استخدام الدبابات والمدفعية الثقيلة والذخائر العنقودية بين هذه الدول الأعضاء في الآسيان. كما اندلعت التوترات بين إندونيسيا وماليزيا في عام 2005، ودفعت إلى مواجهة تسع سفن حربية قبالة جزيرتي سيبادان وليجيتان؛ حيث ادعى مسؤولون عسكريون إندونيسيون عزمهم على «سحق ماليزيا». هذان نزاعان من أصل 26 نزاعاً عسكرياً بين الدول الأعضاء الرسميين في الآسيان منذ تأسيسها في عام 1967.

 عبر المحيط الهادئ، تظهر 12 دولة في أمريكا الجنوبية (الأرجنتين، بوليفيا، البرازيل، تشيلي، كولومبيا، الإكوادور، غويانا، باراغواي، بيرو، سورينام، أوروغواي، وفنزويلا) نمطاً مشابهاً من الصراع والتعاون. في الأغلب يتم التعرف إلى المنطقة على أنها مؤسسية بشكل خاص؛ حيث يوجد عدد لا يحصى من المنظمات الإقليمية المتداخلة من منظمة الدول الأمريكية على مستوى نصف الكرة الأرضية التي تأسست في عام 1948 إلى اتحاد دول أمريكا الجنوبية المتعثر الذي تأسس في عام 2008. نتيجة التشابك الكبير بين المنظمات والترابط المتزايد، يرى العديد من المراقبين أن المنطقة سلمية بشكل فريد. ومع ذلك، على الرغم من التعاون والسلام، فإن مستوى معيناً من العنف حدث بين الدول. بين عامي 1945 و2010، انخرطت هذه الدول الإقليمية ذات الطابع المؤسسي بشكل كبير في نحو 70 نزاعاً عسكرياً بين الدول، بما في ذلك 39 نزاعاً استخدمت فيه القوة.

 إذن، يوجد في كل من جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية سلسلة طويلة من الصراعات المنتشرة بين الدول إلى جانب التنظيم والتكامل الإقليمي. في كل حالة، تمت إدارة النزاعات بفاعلية، ولا تزال الحرب في كل منطقة منها نادرة. في أمريكا الجنوبية، على الرغم من النزاعات الإقليمية المستمرة وعدم استقرار الأنظمة، كانت الحرب هي الاستثناء وليست القاعدة منذ الأربعينات على الأقل. وكذلك الأمر في جنوب شرق آسيا منذ الستينات، استعصت الحرب إلى حد كبير في المنطقة، على الرغم من النزاعات الإقليمية والمنافسات بين الدول.

 يقول المؤلف: «تُظهر كلتا المنطقتين أنماطاً محيرة للسلام قد لا نتوقع رؤيتها. ومع ذلك، والأمر الأكثر إثارة للحيرة، أن المنطقتين تظهران صراعاً عنيفاً ومتفشياً بين الدول دون الحرب. إذن، يظهر في المنطقتين تاريخ طويل من السلام الخلافي. تعاون حقيقي ومستدام وبناء المجتمع إلى جانب العنف المتفشي بين الدول دون الحرب. غالباً ما يتم تجاهل هذه الحقيقة من قبل المهتمين بالسلام الطويل».

 قراءة تاريخية

 يقدم المؤلف لغزاً على شكل جزأين في قلب هذا الكتاب. من ناحية، يُظهر كل من جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية أنهما اختبرا سلاماً دام لعقود؛ حيث قد لا يتوقع العديد من علماء العلاقات الدولية العثور عليه: دول غير ليبرالية تاريخياً تتمتع باستقلال اقتصادي محدود ولا توجد هيمنة إقليمية لردع السلوك الخطر أو العنيف. 

 كرهت هذه الدول أعمال العنف واسعة النطاق فيما بينها، وتعرض تاريخاً طويلاً ومتنوعاً من محاولات التكامل وإضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات الإقليمية. هذه الادعاءات هي أرضية مطروحة جيداً في العلاقات الدولية. من ناحية أخرى، وكما هو أقل رسوخاً، فإن هذا السلام الطويل موجود إلى جانب مستويات متفشية من العنف بين الدول دون الحرب. يستكشف المؤلف هاتين الواقعتين من أجل تحديد اضطرابات السلام في كل منطقة. ويرى أن العديد من الدراسات الحالية تقدّم الأدلة حول كيفية تفسير هذا الواقع. ومع ذلك، فإنه يتجاهل إلى حد كبير عنصراً حاسماً وهو أولئك الذين يمارسون السلام.

 يقول المؤلف: «لم تخض الدول ال12 في أمريكا الجنوبية حرباً منذ عام 1935. تركزت الحرب في أمريكا الجنوبية على ثلاثة عقود قبل ثمانينات القرن التاسع عشر، وهو الوقت الذي ظهرت فيه الدول الناشئة للمستعمرات الأيبيرية. وتشمل هذه الحرب حرب البلاتين 1851-1852، و1863 الحرب الإكوادورية الكولومبية، بالإضافة إلى حرب 1865 الكارثية للتحالف الثلاثي، وحرب 1879-1883 في المحيط الهادئ. بعد عام 1883، كان هناك خمسة عقود من السلام، حتى تم كسرها من قبل حرب تشاكو 1932-1935،«الحرب الكبرى الوحيدة في أمريكا الجنوبية في القرن العشرين». في جنوب شرق آسيا، تكذب الحروب الأربع الملحوظة حقيقة أنه لا توجد دول أعضاء في الآسيان قد انخرطت في حرب فيما بينها بعد صعودها إلى المنظمة. الحلقات الثلاث المتجمعة نحو عام 1970 هي صراعات داخل مظلة حرب فيتنام، وتمثل نقطة عام 1977 الحرب الفيتنامية الكمبودية التي شهدت الاحتلال الفيتنامي لكمبوديا».

 ويضيف: «ومع ذلك، هناك تعقيد فوري لهذه القصة يعمل فقط على تعميق اللغز الذي يحرك هذا الكتاب. خلال فترات السلام الطويلة شهدت الدول في كلتا المنطقتين مستويات مستدامة من العنف بين الدول. خلال الفترة من عام 1946 إلى عام 2010، شاركت دول جنوب شرق آسيا في 105 منطقة ميدانية فيما بينها. 10 منها تشمل 78 نزاعاً يتميز باستخدام القوة، بما في ذلك أعمال الاستيلاء والهجمات والاشتباكات العسكرية. هذه علاقات صراع بين الدول التي على الرغم من أنها ليست حرباً، فإنها تشير إلى انتشار الصراع بين الدول. علاوة على ذلك، فإن العديد من النزاعات التي تخللت فترة ما بعد 1967 هي نفسها التي وسمت الفترة السابقة «الشبيهة بالحرب» في أوائل الستينات. علاوة على ذلك، فيما يتعلق باستخدام القوة، لا يوجد فرق ملحوظ بين ما قبل وما بعد تأسيس الآسيان في عام 1967. فقد وقعت 18 من أصل 78 منازعة تتعلق باستخدام القوة بين أعضاء الآسيان. من عام 1946 إلى عام 2010 على الأقل، قد تكون الحرب بمنزلة انحراف ولكن الخلافات المنتشرة لا تزال قائمة. من خلال هذا المقياس المحدود، فإن «التحول الكبير» من حرب منخفضة المستوى إلى شيء أكثر سلاماً ليس واضحاً بسهولة».

 يرى المؤلف أن أمريكا الجنوبية تروي قصة مماثلة. كما هي الحال مع جنوب شرق آسيا، فإن عدم وجود حرب لا يعني عدم وجود عنف بين الدول. ويُنظر إلى المنطقة اليوم على أنها «بيئة ذات شفافية قليلة وفهم مشترك محدود للتهديدات ووجهات النظر الاستراتيجية المتنافسة، والتي يعد فيها استخدام مستويات منخفضة من القوة العسكرية في التفاوض بين الدول مقبولاً». علاوة على ذلك، لم تتلاشَ التهديدات المتصورة المتكررة والصراع الإقليمي التي كانت، قبل عام 1883، سبباً لعقود من الحرب مع بداية السلام الطويل الظاهر. نزاع عام 1978 بين الأرجنتين وتشيلي حول جزر قناة بيغل، والصراع الحدودي عام 1941 بين الإكوادور وبيرو، والتنافس المستمر بين الأرجنتين والبرازيل، على سبيل المثال لا الحصر، يوضح هذا الواقع. كما في حالة جنوب شرق آسيا، بمجرد تحول التركيز من تحليل «الحرب»، تبدو المنطقة متسمة بعدم الثقة والتنافس والصراع. في حين أن الحرب قد تكون بالفعل استثناء للحكم الإقليمي في كل من جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية، فإن الندرة النسبية للحرب تكذب العدد الكبير من الصراعات بين دول المنطقة. هذا أمر محير للغاية في كل منطقة لأنه إلى جانب هذا المستوى المستمر من الصراع، هناك محاولات ناجحة للتعاون والتكامل الإقليمي. وهذا واضح في جنوب شرق آسيا من خلال إنشاء ونمو الآسيان.

 أخيراً، يبدو دور توازن القوى في كل منطقة أيضاً غير واضح كمحرك للسلام والتعاون المتزايد. لم تكن هناك سلوكات موازنة رسمية داخل المنطقة في جنوب شرق آسيا. وبدلاً من ذلك، اتسمت المنطقة بمحاولات الاتحاد سوياً للسماح بالاستقرار السياسي المحلي والتنمية الاقتصادية من خلال الآسيان. في أمريكا الجنوبية، تظهر فترتان من التوازن، وكلتاهما مدفوعتان بالتنافس البرازيلي الأرجنتيني: من 1883 إلى 1919 ومرة أخرى خلال السبعينات. ومع ذلك، فهذه ديناميكيات سريعة الزوال ومتغيرة ضمن سلام طويل الأمد، ما يشير إلى القليل من الأهمية لتأسيسه ودوره المحدود في استمراره.

 من هذا المسح السريع لديناميات القوة، يتضح أنه في الحالتين الإقليميتين توجد دول قوية - إندونيسيا في جنوب شرق آسيا والبرازيل في أمريكا الجنوبية - قد تؤثر في جودة وخطوط السلام والتعاون الإقليمي. ومع ذلك، في الحالتين، لا توجد هيمنة إقليمية أو سلوكات موازنة واضحة طوال فترات السلام الطويلة، وتتضاءل قوة الولايات المتحدة وتتلاشى وتتفاوت في آثارها مع استمرار السلام الطويل في كل منطقة. بالنسبة للعديد من المراقبين، يشير هذا إلى دور الدول القوية بقدر أقل من دور المؤسسات القوية للمساعدة في تفسير السلام الطويل في كل منطقة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/53fpznh7

كتب مشابهة

1
زاندر دنلاب
1
داون سي ميرفي
1
مايكل كريبون
بوتين وشي جين بينغ
ريتشارد ساكوا

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث
1
باسكال بيانشيني وندونجو سامبا سيلا وليو زيليج
1
هاين دي هاس