عادي
احتراف اللعب بالعواطف.. وإشارات المرور بيئة مربحة

التسول.. ظاهرة مؤرقة تحتال على المشاعر الإنسانية

02:00 صباحا
قراءة 8 دقائق

تحقيق: جيهان شعيب

حيلة تلو أخرى يلجأ إليها المتسولون لتحقيق مآربهم في الحصول على المال من أفراد المجتمع، الذين تغلبهم العاطفة، ويأخذهم التأثر، لمد يد العون إلى هؤلاء، ممن لا يوقفهم رادع، ولا يرجعهم عن فعلهم المرفوض والمسيء وازع، أياً كان.المؤسف أن من بين المتسولين من اتخذوا من إشارات المرور الحمراء على الطرق والتقاطعات، هدفاً لممارسة التسول من قائدي المركبات، ببيعهم زجاجات مياه صغيرة، أو مسابح وكتيبات دينية وأقلاماً وغيرها، مما يسبب ارتباكاً في الحركة المرورية حين تحرك السيارات، وقد يؤدي إلى وقوع حوادث، فضلاً عن إساءة هذا الفعل للواقع العام المتحضر.

الصورة

هناك أيضاً من يتعمد ارتداء ملابس بالية، ويظل يلح على قائد المركبة بطلب المال، مستغلاً الصورة الرثة التي تعمد أن يبدو عليها، ليؤكد أنه في حاجة ماسة للعون والمساعدة، ومنهم من يدعي أنه يعاني عاهة معينة، سواء بوضع ضمادات على يده، أو بالسير بصورة توحي بأنه مبتور الساق وهكذا.

الاستجداء بحيل خبيثة، ومنفرة، وطرق ملتوية، أضحى مسلكاً للكثير من المتسولين، الذين يستغلون الرحمة والإنسانية، التي جُبل عليها مواطنو الدولة، أبناء زايد الخير، وكذا المقيمون على أرضها، بما يتوجب تجنب الانصياع لمزاعمهم، وعدم أخذ الشفقة بهم، حيث تتعدد في الدولة الجهات الخيرية التي تمد يدها لكل من هو بحاجة حقيقية، ولا ترد للمعوزين سؤالاً.

ظاهرة مسيئة

يوضح المحامي علي مصبح الموقف القانوني من المتسولين، قائلاً إنه يعاقَب بالحبس مدة لا تزيد على 3 أشهر، وغرامة لا تقل عن 5 آلاف درهم، كل من يرتكب جريمة التسول من خلال الاستجداء، بهدف الحصول على منفعة مادية، أو عينية، بأية صورة أو وسيلة، ويعد ظرفاً مشدداً إذا ارتكبت جريمة التسول في حال كان المتسول صحيح البنية، أو له مورد ظاهر للعيش، وإذا كان المتسول اصطنع الإصابة بجروح أو عاهات مستديمة، أو تظاهر بأداء خدمة للغير أو استعمل أية وسيلة أخرى من وسائل الخداع والتغرير، بقصد التأثير في الآخرين لاستدرار عطفهم.

ويفند ظاهرة التسول قائلاً: «التسول سواء في الشوارع، أو عند مواقف السيارات والإشارات المرورية، من الظواهر السلبية المسيئة للمجتمع، حيث يلجأ المتسول لطلب المال أو الطعام من الناس باستعطافهم، وادعاء أن لديه عاهة، وقد يلجأ إلى اصطحاب أحد المسنين من بني جلدته، أو الأطفال والنساء للتأثير فيهم، وفي ذلك خطورة كبيرة، لاسيما عند استخدام الصغار في هذا الفعل المرفوض».

11
محمد المناعي

وأضاف: «يعد التسول بشكل عام من الظواهر المسيئة التي تشهدها جميع المجتمعات، ومن المتسولين من يتخذون التسول وسيله احتياليه لجمع الأموال لصالح جهات غير قانونية، أو منظمات إرهابية، ومنهم من يتخذونه مصدراً للدخل اليومي، وبالفعل رصدت الجهات الأمنية حالات كثيره لمتسولين، كانوا يحصدون دخلاً شهرياً من التسول يوازي دخل مديري الدوائر الحكومية!»

وواصل: «يختلف كثير من المتسولين في أساليب التسول، فمنهم من يدعي الجوع، وأنه لم يأكل منذ أيام لضيق ذات يده عن شراء طعام، وحينما يلبيه فاعل الخير بوجبة، يسارع ببيعها لآخرين، ومن المتسولين من يقوم ببيع المسابح والمصاحف الصغيرة، للاستعطاف الديني، ومنهم من يبيع زجاجات مياه صغيرة عند الإشارات المرورية، لاستعطاف العدد الأكبر من قائدي المركبات، وغير ذلك، فيما الغريب في الأمر أن من هؤلاء من ينجح بالفعل في استمالة أفراد المجتمع، وكسب تعاطفهم، ونيل مساعدتهم».

والمؤسف أن هناك حالة رصدتها الجهات الأمنية خلال الأيام الماضية، حيث وضع أحد فاعلي الخير ثلاجة مياه أمام منزله المقابل للمسجد في المنطقة التي يقطنها، وكان يعبئها بالمياه يومياً، ليشرب منها الصائمون بعد الإفطار، وعقب صلاة التراويح، ومن ثم اكتشف أن هناك شخصاً يقوم بأخذ كامل عبوات المياه يومياً ويبيعها للمحال التجارية، وعلى التقاطعات، والإشارات المرورية، وفي ذلك مال مسروق، كان يفترض أن يذهب للصائمين وللصدقات، وهذه الواقعة تبين حقائق بعض أفعال هؤلاء، بما يستوجب علينا الحذر منهم، وعدم إعطائهم أية مبالغ، وهناك الجمعيات الخيرية الكفيلة بمساعدتهم مادياً، وإطعامهم، وقضاء حوائجهم.

الصورة

مشكلة اجتماعية

لا شك أن للتسول تأثيراً سلبياً في الواقع المجتمعي، بما يستلزم تعزيز الوعي الأسري لتجنب الوقوع فريسة للتعاطف مع المتسولين، وهنا ذهب جاسم المازمي عضو لجنة شؤون الأسرة بالمجلس الاستشاري لإمارة الشارقة إلى أن التسول عند الإشارات المرورية، وفي الشوارع خلال شهر رمضان المبارك، وأيضاً على مدار العام، يعد مشكلة اجتماعية تواجهها بعض المدن في العالم العربي والإسلامي، وتشكل عبئاً على المجتمع بشكل عام، فضلاً عن كونها ظاهرة مزعجة للمارة، تتسبب في وقوع حوادث واختناقات مرورية بسبب تزاحم المتسولين بين السيارات.

الصورة

وقال: «وزارة الداخلية عملت جاهدة خلال السنوات الماضية على مكافحة هذه الظاهرة بطرق فعالة، إلا أن بعض المتسولين ما زالوا يمارسون هذه العادة بطرقٍ ملتوية، وغير مباشرة، كبيع المياه المعدنية إلى قائدي المركبات عند الإشارات المرورية، للتسول تحت غطاء ما يبيعونه، لذا ينبغي على أفراد المجتمع التنبه لمثل هذه الألاعيب التي يمارسها هؤلاء، وبإمكانهم مد يد الخير من خلال العطاء الخيري، والتبرعات التي تساعد في تلبية احتياجات المحتاجين خلال شهر رمضان، وغيره من الأوقات».

وأضاف: «لا نغفل دور الوالدين في الأسرة الواحدة بهذا الخصوص، والذي يأتي في مقدمة الجهود المطلوبة للحد من انتشار هذه الظاهرة، وذلك بالتأكيد أن التسول غير قانوني، وتوعية الأبناء بأضراره على صعيد الفرد والمجتمع، وتعزيز القيم الأخلاقية لديهم، من قيمة الكسب الحلال، والتفاني، والمساهمة في المجتمع بطرق إيجابية، وتقديم النصح والإرشاد لهم، وإشراكهم في الحملات الاجتماعية التي تهدف إلى توعية الناس بمخاطر التسول، خاصة وجود المتسولين في الشوارع طوال فترة الظهيرة على سبيل المثال، قد يعرضهم لضربات الشمس، والإغماء، إلى جانب الأثر السلبي للتسول في الإنتاجية، حيث قد يدفع الأفراد إلى عدم الاجتهاد في العمل بشرف لتحقيق الكسب المشروع، وجني لقمة العيش.

الصورة

الإعلام شريك

للإعلام دور رئيسي في التوعية المجتمعية بخطورة هذه الظاهرة، والتنبيه لخطورة الانسياق والتعاطف مع مرتكبيها، عن ذلك قال الإعلامي محمد المناعي: «لا شك أن الإعلام، وبالأخص في هذا الوقت، يحقق النجاح لكل شيء، ولنا أن نتخيل مبادرة مجتمعية من دون تسويق أو إعلام! فهل تحقق هدفها؟ لذا يبقى الإعلام شريكاً استراتيجياً لأي مبادرة، ومن ذلك ظاهرة التسول في رمضان، فالجهود يجب أن تجتمع لتصب في مكان واحد، ويبقى أن نؤمن بأن الوضع اليوم أفضل بكثير مقارنة بالسنوات الماضية، وذلك بفضل تضافر الجهود، لكن يبقى التذكير من عوامل النجاح في وأد هذه الظاهرة التي تشوه المنظر العام سنوياً في شهر الخير».

والجدير بالذكر أن القيادة العامة لشرطة الشارقة أطلقت العام الماضي، حملة بعنوان «التسول جريمة والعطاء مسؤولية»، وكانت نتائجها إيجابية على المجتمع، من حيث توعية أفراده، وتوجيههم إلى القنوات الرسمية التي تستقبل تبرعاتهم وزكاتهم، عوضاً عن مساعدة المتسولين في الطرقات، لاسيما والمتسول اليوم يلفظه المجتمع، الذي أضحى على دراية تامة بجهود الجمعيات الخيرية، التي أصبحت برامجها ومبادراتها في متناول اليد.

توعية دينية

قال الإعلامي خالد الزرعوني: «يعتبر رمضان بالنسبة للمتسولين شهر الحصاد والخير، من الجانب المادي، حيث يستغلون الشهر الفضيل في استعطاف الناس لجني الأموال، وكالعادة تطلق الجهات الأمنية مشكورة حملاتها التوعوية، للتصدي لهذه الظاهرة السلبية المتجددة دائماً، ولكن هذا لا يكفي، حيث أرى وجوب أن ينطلق الردع، أو التوعية من الزاوية الدينية، لأن المتسول يستهدف العاطفة الدينية لدى أفراد المجتمع».

ويجب تنظيم حملات توعية إعلامية دينية، يقدمها عدد من رجال الدين، حتى تصل المعلومة للمتلقي بشكل أفضل وأصح، ويجب على الإعلام التقليدي نشر المقاطع التوعوية، إلى جانب نشرها عبر الإعلام الجديد، مع وضع لوحات خارجية في الأماكن المختلفة، تحتوي على أحاديث، ومعلومات أمنية، توضح أن التسول لا يجوز قانوناً وشرعاً.

الجمعيات الخيرية

عن موقف الشارع الحكيم من فعل التسول، أوضح الدكتور سالم الدوبي رئيس قسم الوعظ بدائرة الشؤون الإسلامية في الشارقة، وعضو مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، أن الشريعة الإسلامية جعلت إنفاق المال على مستحقيه، ممن تتوفر فيهم الشروط التي يستحقون من خلالها الحصول على الصدقة، بينما ممارسة سؤال الناس، لا بد أن تكون وفق النظام المحدد لهذا الأمر، حيث أوكلت الجهات المختصة إلى الجمعيات الخيرية البحث عن المستحقين للصدقات، والزكوات.

وقال: «التسول ينطوي على مخالفات، ومحاذير كثيرة، إذ قد يكون ذريعة لارتكاب جرائم، لاسيما وهذه الظاهرة، في الغالب، تديرها عصابات منظمة، فضلاً عن حصول كثير من غير المستحقين على أموال، أصبحوا من الأثرياء من ورائها، لذلك ندعو الجميع لإنفاق الأموال في الجهات الخيرية المرخصة بالدولة، للتحقق من إيصالها إلى مستحقيها، ولإبراء ذمة المحسن، ولتقليص هذه الظاهرة السلبية».

سيف الزري: دوريات متخصصة لضبطهم وترحيلهم

1

كشف اللواء سيف الزري قائد عام شرطة الشارقة عن ضبط 170 متسولاً على مدار شهر رمضان الفضيل، فضلاً عن ضبط 936 متسولاً خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري، وجميعهم من الباعة الجائلين، وبائعي عبوات المياه على التقاطعات وغيرهم، وجرى ترحيلهم.

وقال إنه لدى القيادة دوريات متخصصة لضبط المتسولين، الذين تختلف أساليبهم في التسول، حيث منهم من يترصدون المصلين كبار السن أثناء هبوطهم من سياراتهم عند المساجد، وينتظرون الواحد منهم عند سيارته، إلى حين إنهائه الصلاة وخروجه من المسجد، ومن ثم يستجدونه بطلب المساعدة، والبعض في ذلك يتجاوبون بحسن نية، وبدافع التعاطف.

وأضاف أن زكاة المال أو الصدقة يجب أن توجه للجهات الخيرية المعتمدة في الدولة، سواء الهلال الأحمر، أو جمعية الشارقة الخيرية، أو مؤسسة القلب الكبير، وعلى المحسنين عدم الانصياع لأي من هؤلاء المتسولين، وتجنب التعاطف معهم، موضحاً أن القيادة حين صدور أمر بترحيل من يتم ضبطه تطلب ممن أدخله إلى الدولة تكلفة تذكرة تسفيره، وفي حال عجزه تتكفل بتسديدها.

شرطة دبي تضبط 116 متسولاً

ضبطت إدارة مكافحة المتسللين في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية بشرطة دبي، بالتعاون مع مراكز الشرطة في دبي، 116 متسولاً خلال الأيام الماضية من رمضان، ضمن حملة كافح التسول التي أطلقتها بالتعاون مع شركائها، تحت شعار «التسول مفهوم خاطئ للتراحم»، الهادفة إلى مكافحة التسول وتعزيز الوعي المجتمعي بمخاطره.

وتصدرت إحدى الجنسيات الآسيوية قائمة المقبوض عليهم. وأوضحت أن التسول احتيال على المشاعر الإنسانية استحدثها المتسولون للاحتيال على المحسنين، واستغلال ما يحفل به الشهر الكريم من روحانيات، ويوجد البعض من الذين تم القبض عليهم وهم على هيئة معاقين تبين أنهم أصحاء لا يعانون أي مرض، وإنما استغلوا عواطف الناس النبيلة وحبهم لفعل الخير وأوقعوهم في براثن تلك الحيل، خاصة في الشهر الفضيل.

واعتبرت الشرطة أن هذا النوع يعد شكلاً جديداً من أشكال التسول التي يمتهنها المتسولون، ويسردون قصصاً مأساوية مثل مرورهم بأزمة صحية أو مالية، ويحتاجون إلى مساعدة عاجلة وغيرها من الأساليب الأخرى.

وحذرت أفراد المجتمع من الوقوع ضحايا لرسائل التعاطف الإلكترونية التي يبعثها متسولون عبر منصات التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني وتتضمن روايات مفبركة، مطالبة بتجاهلها وعدم الانسياق وراءها أو تصديقها.

شرطة الشارقة تضبط 170 متسولاً

ضبطت القيادة العامة لشرطة الشارقة 170متسولاً، ضمن الحملة التي أطلقتها إدارة الإعلام والعلاقات العامة، بالتعاون مع لجنة مكافحة التسول، تحت شعار «التسول جريمة والعطاء مسؤولية»، في مطلع شهر رمضان الجاري.

وأفادت الشرطة، أن إجمالي المبالغ المالية التي عثر عليها مع المتسولين الذين تم ضبطهم من قبل لجنة مكافحة التسول بشرطة الشارقة منذ بداية شهر رمضان المبارك، يزيد على 33 ألف درهم، موضحاً أن أفراد المجتمع يتسابقون في تقديم أعمال الخير والتبرعات في شهر الرحمة، مما يتيح الفرصة أمام ضعاف النفوس لممارسة التسول، داعياً أفراد المجتمع الراغبين في التبرع بأموال صدقاتهم، إلى التعامل مع الجمعيات والمؤسسات الخيرية المعتمدة بالدولة، حتى يضمنوا وصولها إلى مستحقيها من الفقراء والمحتاجين.

وكانت شرطة الشارقة قد أطلقت حملة «التسول جريمة والعطاء مسؤولية» جاءت بهدف توعية أفراد المجتمع بالأساليب والطرق التي يتبعها المتسولون الذين يستغلون حلول شهر رمضان المبارك في استعطاف واستجداء المارة للتسول وجمع المال، مشيراً إلى أن التسول سلوك سلبي دخيل على المجتمع، ويسيء إلى الصورة الحضارية للدولة ويشوهها، لافتاً إلى أن هذه الظاهرة مرتبطة بسلوكيات ومخاطر تهدد أمن الأفراد، كالسرقة، واستغلال الأطفال والمرضى، بغية تحقيق مكاسب مالية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2nj6djc9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"