مصر ودول المغرب العربي

00:49 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. مصطفى الفقي

أنتمي شخصياً إلى إحدى محافظات الشمال الغربي لجمهورية مصر العربية، ورغم أن محافظة البحيرة هي إحدى محافظات الدلتا، إلا إنها تنفرد ببعض السمات التي تجعلها أكثر تواصلاً مع الثقافة العربية لدول الشمال الإفريقي، وأتذكر جيداً أن كثيراً من أسماء العائلات في قريتنا كانت أمتداداً لذات الأسماء في دولة ليبيا المجاورة، حيث تختلط القبائل وتمتزج الأنساب عبر الصحراء الغربية وساحل المتوسط، وصولاً إلى السلوم وتواصلاً مع الأراضي الليبية.

 كما أن بعض مراكز محافظة البحيرة ومنها الدلنجات وأبو المطامير – شأنها شأن محافظات مرسى مطروح والوادي الجديد والفيوم، والمساحات الشاسعة للأراضي المصرية غرب الإسكندرية، تنتشر فيها قبائل مشتركة الأصول مع ليبيا، بل وتونس، فضلاً عن العناصر التي وفدت إلى مصر من دول المغرب العربي- ولذلك فإننا نلاحظ أن مظاهر التقاليد الليبية خصوصاً، والمغربية عموماً قد انعكست على المأكل والملبس في تلك المناطق التي تمتد لمساحات شاسعة عبر الصحراء الواسعة، حتى قيل أن مدينة الإسكندرية هي الحد الفاصل ثقافياً بين شعوب تأكل (الأرز) وأخرى تأكل (الكسكس)، إذ إن نوعية الطعام هي التعبير الثقافي الذي يسمح بالتمييز بين المجتمعات المختلفة التي تلتقي على أرضية واحدة. 

وقد لا يعلم الكثيرون أن بعض القبائل العربية في الصحراء الغربية وواحة سيوة يتحدثون اللغة الأمازيغية ميراثاً ثقافياً عبر الأجيال، وأن جزءاً كبيراً من التكوين السكاني لمناطق مختلفة من دلتا النيل وصعيد مصر هي مكون سكاني وافد من الشمال الإفريقي. حتى أن أولياء الله بدءاً من المرسى أبو العباس، مروراً بالسيد البدوي، وصولاً إلى إبراهيم الدسوقي وقبلهم جميعاً أبو الحسن الشاذلي، هم أمتدادات طبيعية لعلماء وفدوا إلى مصر في طريقهم لأداء فريضة الحج، فبقوا فيها وذاعت أسماؤهم بين سكانها، خصوصاً أن الدولة المصرية قد ورثت من العصر الفاطمي التقاليد الاجتماعية والمناسبات الدينية التي تشكلت من مجموعها بعض ملامح الشخصية المصرية الحديثة، لذلك فإن نظرة الكثير من المصريين إلى دول الشمال الإفريقي غرباً هي نظرة تتسم بالإعجاب والتوافق في كثير من ميادين الحياة، بل إن استخدام أهل الإسكندرية في لغة التخاطب اليومي صفة الجمع وهم يتحدثون عن أنفسهم هي امتداد لمشاركة مصرية للهجات عربية في دول الشمال العربي الإفريقي.  

لقد ارتبطت مصر الدولة بدول شمال إفريقيا دائماً، ارتباطاً له خصوصية، خصوصاً أن مصر تقع في القلب بين جناحي الطائر العربي في المشرق والمغرب وترتبط بكليهما ارتباطاً وثيقاً عبر العصور، كما أن الإسلام في مصر يشد أطرافها على الجانبين تجاه الأرض المقدسة في الجزيرة العربية من ناحية، وتجاه الوعاء الثقافي الضخم الذي وفد إلينا من الاتجاه الغربي للساحل الإفريقي عبر الصحراء، لذلك كان تعبير الساحل والصحراء تعبيراً مناسباً للارتباط بين تلك الدول، ويهمني هنا أن أسجل ملاحظتين:

 *أولاً: إن انفتاح دول الشمال الإفريقي على ثقافات أخرى خصوصاً الفرنسية والإسبانية والإيطالية قد جعل لتلك الدول مزاجاً عصرياً رائعاً، دفع بها لأن تكون ذات انتماء لحوض البحر المتوسط، إلى جانب انتمائها العربي والإسلامي والإفريقي، ولم يكن أبداً على حساب هويتها القومية وتاريخها المشترك، ولا شك في أن شيوع اللغة الفرنسية في تونس والجزائر والمغرب كلغة ثانية إلى جانب الأمازيغية في دول اعترفت بها رسمياً مثل المغرب هي محصلة تراثية تصنع توليفة ثقافية رائعة، يعزز منها الزي الوطني وغطاء الرأس الشهير.

 *ثانياً: إن إحساساً مشتركاً يجمع بين ريف المحافظات المصرية في غرب الدلتا وبعض مناطق الشمال الإفريقي من حيث الروح الاجتماعية والثقافة السائدة، بل إنني أتذكر إن جيراننا في ذات العمارة بمدينة دمنهور هم أسرة ليبية جاءت إلى الإسكندرية والبحيرة واستقرت فيها واندمجت بين سكانها.

   إن شمال إفريقيا جزء عزيز وغال على العرب عموماً والمصريين خصوصاً، لأنه مكون أساسي للشخصية العصرية الحديثة للعرب شرقاً وغرباً، كما أن انتصار ثورة الجزائر والتقدم التقني في المغرب والشخصية المتميزة في تونس، وما شهدته ليبيا في السنوات الأخيرة كل ذلك جعل دول المغرب العربي، بما فيها موريتانيا بلد الشعراء واللغة العربية السليمة، تضم في مجموعها جناحاً كبيراً لأمة عربية واحدة، تعيش مرحلة من الترقب حتى تستقر على مرفأ النهضة لأنه شاطئ الأمان .. تحية للأشقاء شرقاً وغرباً.

* ينشر بترتيب مع وكالة الأهرام للصحافة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mthy645j

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"