بلا مسارات آمنة

00:50 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

كان من المفترض أن نكون الآن مشغولين، عربياً وإفريقياً ودولياً، بعد مضي أيام من إبريل /نيسان، بتصور مستقبل السودان بعد توقيع الاتفاق الإطاري والدستور النهائي الناظمَين لسنوات من الاستقرار لوطن وشعب يستحقانه.

  لو كانت هذه الخطوة التي أصبحت كذبة جديدة من رحم هذا الشهر، اكتملت، ما كان يضيرنا لو جاهر البعض بمعارضته لما جرى، ولا غيّر من الأمر شيئاً لو طارد البعض الآخر المعارضين بأنهم من «الفلول»، أو أصحاب «الأجندات».

  كل ذلك وغيره، لا شيء من الهول الذي استيقظنا عليه. داهمتنا صور الانشطار، كأنه صار قدراً عربياً مقدوراً في بعض أقطارنا.

  لم يشتبك فصيلان سياسيان في ميدان «ثورة»، ولا تناحرا باللافتات واللافتات المضادة، ولم يتبادلا الصراخ على شاشة مقسومة، فاضطر المذيع إلى إنهاء الفقرة، بينما مسؤول عسكري يقول إن مؤسسته ملك الجميع، وعلى مسافة واحدة منهم، وأنه يقف حامياً للتطور السياسي.

 ما جرى أن شرارة استحالت ناراً يطعمها بعض أبناء السودان خريطة الوطن ممزقة.

 أصبح المدفع، بتكنولوجيا سودانية منسوخة من تجارب عربية، بماسورتين، كلّ منهما تتعقب عدواً لا تراه الأخرى، وتدّعي شرعية غير التي لأختها. 

 عاش الإقليم منذ بداية رمضان أياماً من التفاؤل، ملؤها الاستبشار بمقدمات تصالح وتقارب وعودة للغائب، وتمكين ما اعتبرناه في السياسة مستحيلاً، أو صعب المنال.

  ماذا لو أسهم السودان، البلد المنكوب الآن بدراما كئيبة، في رسم نهاية سعيدة لحلقات من السعي الذي تنافس فيه المخلصون لتستريح منطقتنا من هموم متجددة، ولو لفترة؟

ما كنا سنقول إن نشوة السودان، ونشوتنا، بانطلاقته بعد اتفاق مكوناته كذبة، أو إحساس عابر، بل كنا سنصفه بمسار آمن بعد خوف على ما للسودان من عمق في التاريخ والجغرافيا.

 ما من مسار آمن الآن، لا للذين يتاجرون بالدم، ولا لشعب مطعون من بعض أبنائه. الآليات تستعرض حدّة بصرها في الداخل السوداني، والبعض يفاخر بقدرته على قنص أخيه، بينما الشعب، في الوطن وخارجه، رهين بيوت الأسى والرعب، «يسلّي» صيامه بسماع دوي الرصاص، و«يفطر» على دم يحمّر التصريحات، وبعض النوايا.

طلاب احتجزوا في مدارس فبقوا متلعثمين في قراءة المستقبل المهدد، ومرضى تخلوا عن آلامهم لعقلاء يستطيعون الجهر بها، فيكتمل الشفاء.

  صرخات نقابة الأطباء المستجدية لمسارات آمنة على المرضى وسيارات تنقلهم، المستغيثة بأعضاء ليقصدوا المستشفيات، بدّدتها أبواق تذكي نار الاقتتال.

  الهدنة التي طوّقها الفريقان بشرط الاحتفاظ بحق الرد إذا خرقها «الآخر»، لم تصمد لتحقق أهدافها الإنسانية، بينما الصائمون يختبرون معنى الجوع والعطش في وطن يغيّب بعض ساسته فريضته، ويتقاذفون وصف العدو.

  وطن زاهٍ كالسودان لا يليق به التيه في أرضه بلا مسارات آمنة حتى تضيق به، على رحابتها، فتقوده إلى خندق يحتمي به، أوتحمله على هجرة متخبطة لا يعرف إن كانت إلى شمال، أو جنوب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2yrz7nya

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"