عادي

تايوان.. صبر استراتيجي صيني

22:55 مساء
قراءة 4 دقائق

كتب - بنيمين زرزور:

توحي العواصف المحيطة بتايوان والتوترات المتسارعة في مسار الأزمة وما يتفرع عنها من استفزازات وهمية أو فعلية، أن شرارة الحرب وشيكة، لكنها ليست كذلك سواء في دوائر صنع القرار العليا في بكين على وجه الخصوص، أو على مرآة الخصوم المفترضين بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

على الرغم من الأجواء الساخنة التي تحيط بالوضع بين الصين وتايوان، والتي تنذر بإقدام الصين على تنفيذ عملية عسكرية لضم الجزيرة، الأمر الذي سيدفع باتجاه مواجهات ذات تداعيات عالمية، فإن ذلك اليوم ليس قريباً. ومن المؤكد أن توقيته فيما لو حدث، سيكون حكراً على الزعيم الصيني، ليس نتيجة أي استفزاز دبلوماسي، ولكن من خلال حساباته الخاصة للمزايا والتكاليف، فالصين ليست مستعجلة، لكنها تعد نفسها، متخذة من «الصبر الاستراتيجي» وسيلة لتحقيق هدفها.

فبعد زيارة رئيسة تايوان تساي إنغ ون الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، وعقدها اجتماعاً قصيراً في كاليفورنيا مع رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي، ردت الصين باستعراض جديد للقوة في مضيق تايوان. وعلى مدى ثلاثة أيام من التدريبات العسكرية، نفذت طائراتها المقاتلة وسفنها البحرية وحتى حاملة طائرات ما وصفته بكين ب«محاكاة الهجمات الدقيقة»، والتي كانت بمنزلة «بروفة» لتطويق عسكري للدولة الجزيرة قد يؤدي في يوم من الأيام إلى اجتياح. وبمجرد اكتمال التدريبات، أعلن الجيش الصيني عن استعداده في أي وقت «لسحق نزعة» الاستقلال التايواني «الانفصالية والتدخل الخارجي بأي شكل من الأشكال».

استفزاز الصين

ومن غير المستغرب أن تصور وسائل الإعلام الغربية هذه القصة على أنها حالة طوارئ تستدعي اليقظة، وربما التدخل السريع، لا سيما أنها تأتي في وقت تتدهور فيه العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وتزداد سوءاً. ومما يغذي هذه المخاوف أن الرئيس الصيني شي جين بينغ ذهب إلى أبعد مما ذهب إليه أسلافه بإعلانه أن تايوان ستُعاد إلى جمهورية الصين الشعبية بأي وسيلة، بينما قال الرئيس جو بايدن عدة مرات إن الولايات المتحدة سوف تدافع عن تايوان إذا هاجمتها الصين.

وقد يكون من الحماقة التقليل من شأن استفزاز الصين لعدة أسباب. فمن خلال تحركات القطع البحرية والطائرات عبر ممرات ضيقة من الأجواء والمياه، تزداد احتمالات وقوع الحوادث، وأي حادث يزيد من خطر نشوب نزاع مسلح مباشر بين أقوى دولتين على وجه الأرض، يجب أن يؤخذ على محمل الجد.

وقد يرى البعض في التحركات العسكرية الصينية في محيط تايوان، نذيراً على خروج الأمور عن السيطرة في ظل المناورات الأخيرة التي تحاكي عملية استيلاء كلي على الجزيرة، والتي فهم العالم منها أن الاستفزازات الأمريكية لن تمر من دون رد فوري صيني.

لكن على الرغم من هذه الصورة الملتهبة التي يرسمها الإعلام، لا يزال الخطر الفعلي لعمل عسكري صيني وشيك ضد تايوان، منخفضاً. صحيح أن بكين تستعرض قوتها العسكرية كلما حدث لقاء على أعلى مستوى بين المسؤولين الأمريكيين والتايوانيين وجهاً لوجه.

ومع ذلك، وعلى الرغم من أن لقاء رئيس مجلس النواب مكارثي مع رئيسة تايوان، يمثل أعلى اجتماع بين الولايات المتحدة ومسؤول تايواني على الأراضي الأمريكية منذ عام 1979، فإن رد فعل الصين الأخير كان أقل تهديداً من وجهة النظر العسكرية من رد فعلها على زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي الصيف الماضي إلى تايوان، وهي تدرك جيداً أن واشنطن تراقب رد الفعل الصيني بدقة.

والأهم من ذلك، أن شي جين بينغ يكرّس جهوده هذه الأيام على لعب دور أكبر على المسرح العالمي، لا سيما كصانع سلام. لقد عرض خطة سلام من 12 نقطة لأوكرانيا، ويأمل أن تشجع الآخرين على رؤية الصين وسيطاً عالمياً، حتى لو لم يكن لهذه الخطة بالذات فرصة للنجاح.

واستقبل شي الأسبوع الماضي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في بكين، لمناقشة حرب أوكرانيا ومستقبل علاقات الصين مع أوروبا على نطاق أوسع. وعلى الرغم من أن شي لم يعد ضيوفه الأوروبيين بالتركيز أكثر على روسيا، فقد أصدرت الحكومتان الصينية والفرنسية بياناً مشتركاً تعهدتا فيه بالعمل معاً لجلب المفاوضين الروس والأوكرانيين إلى طاولة المفاوضات، ثم استقبل بعد ذلك الرئيس البرازيلي لولا دي سيلفا، في أعقاب زيارة وزيري خارجية إيران والمملكة العربية السعودية؛ حيث اتفقا بوساطة صينية على إعادة العلاقات بين بلديهما.

الأهم من ذلك، أنه قبل أيام فقط، أصبح الرئيس التايواني السابق ما ينج جيو أول زعيم تايواني حالي أو سابق يزور البر الرئيسي منذ انفصال تايوان في عام 1949، وقد تحدث خلال زيارته عن «الإرث المشترك في الدم واللغة والتاريخ والثقافة» بين الجانبين، ما عزز الآمال في بكين بأن إعادة التوحيد لا يزال من الممكن تحقيقها من دون المخاطرة بنشوب صراع كارثي محتمل.

وباختصار، يريد شي جين بينغ على الأقل أن يُنظر إليه على أنه صانع سلام، وعلى الرغم من أن مستقبل تايوان يظل أكثر أهمية بالنسبة له من أي من القضايا التي يتوسط لحلها، فمن غير المرجح أن يعرض رئيس الصين كل هذه الانتصارات الدبلوماسية لخطر التبديد من خلال الانزلاق في حرب مكلفة.

درس من روسيا

هناك المزيد من الأسباب الأساسية التي تجعل من غير المرجح أن تتحرك الصين ضد تايوان قريباً. فقد راقب شي بعناية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وهو يقدم دليلاً حياً على مدى صعوبة التنبؤ بالحرب وكُلفتها. ويدرك شي أن مخاطر النصر الباهظ الثمن - أو حتى الهزيمة – هي مخاطر جدية.

وهناك أيضاً القضية الحرجة المتعلقة بأشباه الموصلات؛ ذلك أن نحو 90 في المئة من رقائق الكمبيوتر الأكثر تطوراً في العالم مصنوعة في تايوان. وإدراكاً منها للمخاطر التي تنطوي عليها حرب الجزيرة، تعمل الصين والولايات المتحدة وغيرهما بأسرع ما يمكن لتقليل مخاطر الكارثة الاقتصادية التي قد تنجم عن تباطؤ هذا الإنتاج بشكل كبير أو توقفه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/588w3zzr

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"