الغرب وأجندة الرئيس البرازيلي

00:21 صباحا
قراءة 3 دقائق

الحسين الزاوي

طرحت الكثير من الأوساط الغربية المهتمة بالشأن الدولي، أسئلة بخصوص التوجهات والخيارات السياسية الكبرى للرئيس البرازيلي الجديد لولا دي سيلفا، في سياق عالمي تعرف فيه العلاقات بين الدول تحولات كبرى بسبب الحرب في أوكرانيا؛ وبالتالي فهناك متابعة دقيقة من قبل عواصم الغرب للقرارات التي سيتخذها الرئيس لولا بالنسبة إلى ملفات السياسة الخارجية لبلاده، رغم أنه لم يتسلم زمام السلطة بشكل فعلي إلا مع بداية شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، ولا يزال محاصراً بعدد هائل من المشاكل الداخلية التي لا تترك له هامشاً كبيراً من أجل التكفل بقضايا السياسة الخارجية.

ويعتقد الكثير من المراقبين أن الدول الغربية لم يكن لها خيار آخر خلال الانتخابات الرئاسية البرازيلية التي جرت في جولتها الثانية يوم 30 أكتوبر/ تشرين الأول، سوى الترحيب بفوز لولا على غريمه اليميني بولسونارو، الذي كان من الصعب التعامل معه بسبب سياساته التي كانت قريبة جداً من سياسات الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب.

ومن الواضح أن الغرب لا يرتاح كثيراً لأجندة لولا على المستوى الخارجي، فهو يملك علاقات متميزة مع كل دول «البريكس»، بما فيها روسيا، أما علاقاته مع واشنطن والعواصم الأوروبية وعلى الرغم من أهميتها بالنسبة إلى لاقتصاد البرازيلي، إلا أنها لم تكن سبباً كافياً يدفعه إلى انتقاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ وهو يرى في السياق نفسه، أن الرئيس الأوكراني يتحمل هو الآخر جزءاً من المسؤولية في ما يقع في بلاده، ويقترح على كييف التخلي عن القرم، كما يعتقد أن البرازيل يمكنها أن تلعب دور الوسيط من أجل تحقيق السلام في أوكرانيا. وعليه، فإن محاولة الرئيس البرازيلي الوقوف على بعد مسافة متساوية بين طرفي النزاع، جعل الكثير من وسائل الإعلام الغربية تنتقده، وتصف سياساته الداخلية والخارجية بأنها غير قادرة على مواجهة التحديات، ويغلب عليها الطابع الشعبوي في العديد من الملفات التي تتطلب مواقف حازمة.

ويواجه الرئيس لولا على المستوى الداخلي صعوبات جمة بسبب الوضع الاقتصادي المتأزم بسبب السياسات الخاطئة التي اتخذها سلفه بولسونارو أثناء جائحة كورونا، ومن ثم فإن مصداقية حكومة لولا تتوقف على النتائج الاقتصادية التي سوف تحققها في الأشهر الأولى، بخاصة على مستوى نسب النمو، ووتيرة خلق وظائف عمل جديدة، ومحاربة التضخم وتحسين مداخيل السكّان؛ وهي كلها أهداف يصعب تحقيقها في هذه المرحلة التي يشهد فيها الاقتصاد العالمي تراجعاً ملحوظاً.  ويمكن لهذه الوضعية أن تسمح لقوى أقصى اليمين باستثمار غضب المواطنين لمصلحتها، ويدفعها لأن تكون عنيفة في تحركاتها. وهناك، بالتالي، من لا يستبعد قيام موجات عارمة من التمرد على حكومة داسيلفا، على غرار ما قام به أنصار الرئيس السابق في 8 يناير/ كانون الثاني الماضي، احتجاجاً على تسلّم لولا مقاليد الحكم في البلاد، إضافة إلى إمكانية تحرك أوساط نافذة معادية له داخل المؤسسة العسكرية القريبة جداً من بولسونارو.

وتعود هذه المشاكل التي تهدّد مشروع لولا الإصلاحي إلى طبيعة هرم السلطة في البرازيل القائم على الحكم الفيدرالي، وعلى الصلاحيات التي يمتلكها البرلمان، بغرفتيه، وهنا تكمن المفارقة، حيث لا يملك اليسار المؤيّد للرئيس ما يكفي من المقاعد لتشكيل قوة ضغط داخل البرلمان المتكوّن في الجزء الأكبر منه من قوى الوسط وأقصى اليمين؛ ويرى المتابعون أنه من الصعب أن يتحالف اليسار في المرحلة الراهنة مع الوسط، ما سيضاعف من صعوبات تجسيد مشاريع لولا الهادفة إلى زيادة الإنفاق العمومي من أجل تقليص نسب الفقر في البلاد.

نخلص إلى أن أجندة لولا الخارجية ستواجه من جهة، تردّد قوى الوسط ومعارضة قوى اليمين المتطرف التي ما زالت رافضة لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وستصطدم من جهة أخرى برفض الغرب لسعيه إلى تقوية شراكته مع روسيا والصين، وأي محاولة منه من أجل تحقيق استقلالية أكبر للبرازيل عن واشنطن يمكن أن تدفع هذه الأخيرة إلى ممارسة الضغط على البرلمان البرازيلي لدفعه إلى القيام باتخاذ قرارات ضده. وهذه الهشاشة التي تميّز مواقف لولا هي التي تفسّر اضطراره في الأخير إلى التنديد بالاعتداء على وحدة الأراضي الأوكرانية أثناء استقباله للرئيس الروماني.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y99kzckd

عن الكاتب

أستاذ الفلسفة في جامعة وهران الجزائرية، باحث ومترجم ومهتم بالشأن السياسي، له العديد من الأبحاث المنشورة في المجلات والدوريات الفكرية، ويمتلك مؤلفات شخصية فضلا عن مساهمته في تأليف العديد من الكتب الجماعية الصادرة في الجزائر ومصر ولبنان

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"