عادي
فهم خاطئ لدور ووظيفة الخشبة

نظرة جديدة في مفهوم المسرح الجماهيري

01:48 صباحا
قراءة 4 دقائق

أحمد الماجد

قيمة المسرح وأهميته، لا تكمن فقط في ذلك القدر الهائل من المعرفة الإنسانية الذي يحويه، بل تكمن أيضاً في قدرته على تحقيق التآلف والاندماج بين البشر على المستويات الجمالية والفكرية والاجتماعية، فالعرض المسرحي يساعد على التكامل بين النظرية والتطبيق، فهو يجمع بين الخبرات العضلية والخبرات الوجدانية والمعرفية، ويوحد الفن والتكنولوجيا ويوثق الروابط بين المؤدى وبين الجمهور، والمسرح الجماهيري ليس بعيداً عن ذلك، فهو مسرح يلتزم بقضايا المجتمع، ويرفع من وعي المُتلقي ويظل خالداً، لكنه قد يتخذ من الكوميديا القالب الذي يتشكل فيه، من أجل الاقتراب من المتلقي، وهو بأي شكل أو مضمون وبأي حال من الأحوال لا علاقة له بمسرح الإسفاف والتهريج والابتذال.

إن الفهم الخاطئ لماهية المسرح الجماهيري ودوره العظيم في تنمية المجتمع، واحد من الأسباب التي شوهت صورة المسرح الجماهيري، واختصرت أهدافه في جعله أداة تستجدي الضحك من المتفرجين لا أكثر، فهل نوع العرض المسرحي هو الذي يتحكم في إقبال الجمهور؟ وهل بالضرورة أن يكون العرض المسرحي الذي لا يشاهده أكثر من خمسين شخصاً يؤدي إلى نهضة المسرح، والعرض الذي يشاهده أكثر من ألف شخص يقود إلى تدهور المسرح ودماره؟. من وجهة نظري أرى أن الفهم الخاطئ للمسرح الجاد أو النخبوي هو الذي أدى إلى تلك القطيعة بين المسرح والجمهور، فكل عرض مسرحي هو عرض جماهيري، وكل المحاولات التي جرت في تقسيم وتصنيف العروض المسرحية بين جماهيرية أو غيرها، لم تأت بالنتائج المرضية، فقضية تدهور المسرح أو نهوضه تتصل بما هو أشمل من الفهم الخاطئ أو الفهم الصحيح لماهية المسرح الجماهيري، فهي تتصل بوضعية الجمهور، بمن فيهم متفرجو ومشاهدو المسرح وبوضعية المسرح نفسه في المجتمع المعين وبطبيعة الرؤى والأفكار التي تقارب هذه الوضعية.

  • شروط

جمهور المسرح هم مجموعة من الناس تجتمع لحضور ومتابعة العرض، ووجودهم في العرض المسرحي شرط لا غنى عنه، ولا يكتمل العرض المسرحي إلا بهم، باعتبار أن رسائل العرض يجب أن تذهب إلى متلقٍ، والجمهور هم القطب المقابل للمسرحية، وبدونهم لا يمكن اعتبار ما يقدمه الممثلون على الخشبة مسرحاً. والمسرح شئنا أم أبينا لا بدّ أن يكون جماهيرياً، مهما اختلفت تسمياته وأشكاله ومضامينه، باعتباره فعلاً نابعاً من واقع الجمهور وعليه أن يلتصق بهم ويعود إليهم، عبر بوابات عدة منها القيم والأفكار والتسلية والترفيه وتنمية الذائقة الجمالية لديهم، وهي بالتحديد وظائف المسرح ومهامه التي لم يخلق إلا من أجلها، منذ بداياته وحتى لحظتنا الراهنة.

من هنا ولدت الأسئلة حول طبيعة حضور المسرح بشكل عام في المشهد الاجتماعي وأهميته، ويبدو أن هذا السؤال يشبه إلى حد كبير، السؤال الذي طرحه المبدع الروسي أناتولي فاسيليف الذي تكفل بكتابة كلمة اليوم العالمي للمسرح في عام 2016، وقراءتها حين بدأ بالتساؤل: «هل نحتاج إلى المسرح»؟ وتساءل المهتمون بالشأن المسرحي هل خفت نجم الإبداع المسرحي وصار فناً نخبوياً؟

هذه الأسئلة وغيرها مشروعة بحكم تناسي معظم المسرحيين لدور الجمهور وأهميته، خاصة أن جماهيرية المسرح تتقلص كل يوم بفعل سطوة الصورة وقوة تأثير وسائل التواصل الحديثة، التي تحوي ما لذ وطاب من كل ما يرضي طموح المتفرج ويسكت فضوله، وكأن المسرح في عصرنا الحالي وحتى المشتغلين فيه خلقوا لزمان غير هذا الزمان، وفقاً للسياقات التاريخية والاجتماعية والثقافية في قراءة الظواهر.

  • شأن عام

لكن ثمة من يقول إن المسرح لم يرغب يوماً في تحقيق جماهيرية زائفة، تصنع نجوم الصورة وتدغدغ العواطف، إذ كانت وظيفته، منذ نشأته الإغريقية الأولى، تحريك المشاعر وتطهير النفس، بتعبير الفيلسوف الإغريقي أرسطو، وإفشاء القيم الإنسانية الكونية المشتركة، ولم يسع أبو الفنون منذ نشأ إلى تسول جماهيريته، ولا ينبغي له أن يفعل، فالمسرح كان دائماً شأناً عاماً، فالمسرح هو وجه من أوجه الحضارة، يعكس مدى تطور المجتمع أو تخلفه، لأنه مظهر من مظاهر المدنية والتحضر، وغيابه أو تخلفه يعني تخلف المجتمع.

من أجل ذلك، وجبت العودة إلى المسرح الذي يلامس الجمهور، بما يطرحه من قضايا تلامس همومهم ولا ضير إن كان ذلك في قالب كوميدي يحبه الجمهور وينتظره ويتفاعل معه. إن علاقة الجمهور بالمسرح، تعتمد على عدة عوامل، أهمها علاقة المتلقي بالتطورات الحاصلة عبر مراحل متعددة والمتغيرات التي طرأتْ على البيئة الاجتماعية والاقتصادية، وأفرزت تأثيرها في منظومة التلقي؛ ما جعلنا نبحث على أساس أنَّ هناك متغيراً مقابل متغير آخر، والسؤال هو: هل استطاع المتغير الآخر (المسرح الجاد) أن يواكب هذه المتغيرات؟ باعتقادي أنه لم يستطع أنْ يلاحق تلك المناخات الجديدة للتلقي، أو يبحث فيها، بينما نجحت العروض المسرحية الجماهيرية إلى حد ما في اللحاق بتلك المتغيرات حتى لو كانت في أدنى صورها، بينما بقي المسرح الجاد في برجه العاجي البعيد.

إن إقبال الجمهور من عدمه على مشاهدة العروض المسرحية، تعتمد على عدة أمور منها: درجة الاهتمام بالثقافة المسرحية والتربية المسرحية، ومنها دور العرض المخصصة للعروض المسرحية من حيث العدد، ومن حيث التوزيع الجغرافي، ومنها حجم التمويل ومنها سعر التذكرة، ومنها كلفة الإعلان، ومنها النقد الموجه للعروض المسرحية من حيث النوعية ومن حيث المساحات المخصصة له في الصحف اليومية والمجلات، ومنها قبل هذا كله نظرة المجتمع للمسرح من حيث القيمة والجدوى، وبناء على كل ما سبق يمكن القول إن الذي يتحكم في تدهور المسرح أو نهوضه ليس هو الفهم الخاطئ أو الفهم الصحيح لمفهوم المسرح الجماهيري وحده، وإنما الذي يتحكم هو تلك الرؤية الفكرية لهذا المسرحي أو ذاك أو لهذه الفرقة المسرحية أو تلك لماهية المسرح وموقعه ودوره في المجتمع ولماهية المتفرجين وموقعهم ودورهم والمساحة المتاحة لهم في المشاركة في الشأن المسرحي.

  • خروج

عندما يقول مسرحي هنا أو هناك، أو عندما تقوم تجربة مسرحية أو تيار مسرحي هنا أو هناك على فرضية أن (الجمهور عايز كدة ) تكون نتيجة ذلك صناعة مسرح يتوسل الإضحاك والتسلية فقط دون فكر وجمال، عبر إنتاج صور كاريكاتيرية ومتواليات مشهدية تتحرك في المسكوت عنه في منظومة التابوهات الاجتماعية عبر لغة ملفوظة فقيرة الجمال، تصل حد الإسفاف والعنف، أو عبر حركات جسدية خارجة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4nrbyefp

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"