تركيا.. معركة «على حدّ السكين»

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

انتصر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جميع معاركه الانتخابية منذ العام 2002 سواء الرئاسية أو النيابية أو في الاستفتاءات التي كان يطرحها حول قضية معينة. غير أن المعركة الرئاسية المقبلة في 14 أيار/مايو المقبل ستكون «أم المعارك» بالنسبة له.

 إذ أعلن أردوغان أنه سيخوض آخر انتخاباته، أي لن يترشح بعدها لأي انتخابات، على الرغم من أنه لا يزال في سن السبعين. ولكنَّ هناك أمراً أساسياً هو أن الدستور هو الذي يمنع عليه الترشح لولاية ثالثة إلا إذا ارتأت أغلبية في البرلمان غير ذلك. ومع أن أردوغان يترشح للمرة الثالثة إلا أنه يعتبر أن احتساب العدد يبدأ مع التعديلات الدستورية التي حصلت عام 2017 وبدأ تنفيذها عام 2018 وليس مع الانتخابات الرئاسية التي حصلت عام 2014 على النظام القديم.

 النظام الرئاسي الجديد الذي تحصل في ظله الانتخابات الرئاسية الحالية منح رئيس الجمهورية صلاحيات شبه مطلقة في كل المجالات على حساب البرلمان الذي فقد الكثير من صلاحياته. مع ذلك يبقى للانتخابات النيابية التي ستجرى في الوقت نفسه مع الانتخابات الرئاسية أهمية أن يكون البرلمان بما تبقى له من صلاحيات منسجماً مع رئيس الجمهورية في بعض القضايا.

 صعوبة المعركة الرئاسية أنها تأتي في ظل تقارب النتائج في استطلاعات الرأي بين أردوغان ومرشح المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو. بحيث تعطي كلًا منهما ما بين 44 و46 في المئة. لكن المفاجأة أن هناك مرشحَين محسوبين أساساً على المعارضة قد دخلا السباق الرئاسي هما محرم اينجه وسنان أوغان وينال الأول في الاستطلاعات نسبة 6 في المئة والثاني اثنين في المئة. ولو ذهبت هذه النسب إلى كيليتشدار أوغلو لكان فوزه مضموناً من الدورة الأولى. وفي حال بقي الحسم للدورة الثانية بين أردوغان وكيليتشدار أوغلو فليس واضحاً لأي منهما ستذهب أصوات اينجه وأوغان. علماً أن اينجه وللمفارقة كان مرشح المعارضة في الانتخابات الماضية عام 2018 بوجه أردوغان. وستكون المعركة بالتالي «على حد السكين» وتتوقف نتائجها على نقطة أو نقطتين.

 يحمل المرشحان الرئيسيان الكثير من الوعود للناخبين. أردوغان كونه رئيساً للجمهورية وزعيماً لتركيا منذ العام 2002 يراكم الكثير من الإنجازات بصفته الرسمية. وبالتالي فإن كل ما تحققه الدولة للمواطنين يجيّره أردوغان إلى شخصه كرئيس لحزب العدالة والتنمية. ويبدو لذلك مرشح المعارضة أمام مواجهة مرشح الدولة بكل إمكانياتها.

 يعتبر أردوغان نفسه مرشح المشاريع الكبرى من الجسور والأنفاق والطرق والمسيرات والأسلحة والسفن الحربية والسيارة محلية الصنع. لكن ظلاً ثقيلاً يرخي بظلاله هذه المرة على المعركة الانتخابية، هو القضية المعيشية، حيث يذهب المواطن إلى صناديق الاقتراع وقد أناخت الأزمة الاقتصادية وغلاء الأسعار وتدهور سعر الليرة التركية بكلاكلها على خيارات المواطن، وهو عامل قد يكون لصالح مرشح المعارضة باعتبار أن السلطة الحالية لو كان بإمكانها أن تحقق ما تعد به المواطنين لكانت حققته وهي الآن في الحكم. من هنا تحولت وعود المعارضة بتحسين الوضع إلى برنامج لأردوغان يستنسخه كما لو أنه مرشح المعارضة لا السلطة.

 غير أن ما يؤرق أردوغان هو الموقف الحساس والمهم لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي يقضي بالتصويت ضمناً لكيليتشدار أوغلو. وهذا شكل دفعاً كبيراً له، إذ إن أصوات الحزب الكردي لا تقل عن عشرة في المئة. وتكاد مناخات القاعدة الكردية تجزم بفوز كيليتشدار أوغلو وبترحيل أردوغان إلى التقاعد.

 في جميع الأحوال ستكون المعركة الرئاسية صعبة وستكون الأصوات متقاربة ويبذل كل مرشح أقصى إمكاناته الداخلية والخارجية من أجل حسم المعركة لصالحه. لأن فوز أردوغان يعني استمرار «الستاتيكو» الراهن على جميع الجبهات مع تشدد أردوغاني أكبر كونه تحرر من ضغوط المعركة الرئاسية. لكن خسارة أردوغان وفوز كيليتشدار أوغلو يعني أن تركيا والمنطقة والعالم أمام زلزال حقيقي يعيد خلط معظم الأوراق والتوازنات في كل الاتجاهات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p9nbr2m

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"