تفاءلوا بالخيال تجدوه

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل الخيال مهمّ لدى الموسيقيين العرب؟ هل تذكر عصراً أو حقبةً لعب فيها الخيال دوراً جوهريّاً في الموسيقى العربية؟ إذا كان الجواب بالإيجاب، فهل يمكن أن تسخو علينا بأمثلة تشفي العليل والغليل؟ المسألة صعبة. معك حق، فالموسيقى العربية أندر الأندر فيها هو الموسيقى المستقلة، المستغنية المستكفية بتعبيرها الذاتي عن الكلمات. الموسيقى هي أصلاً لغة، فما حاجتها إلى لغة تُبين عنها؟ هي في كيانها وكينونتها لغة التعبير عمّا تعجز الألسنة عن الإفصاح عنه والبوح به.
أراد القلم أن يشطح شطحةً قد يراها البعض غريبة، لكنها في مستوى الموسيقى التي هي موسيقى، لا تُعدّ في المعجزات والخوارق. هل خطر على بال موسيقيّ عربيّ ذي خيال مجنّح أن يحوّل رائعةً أدبيةً عربيةً إلى عمل موسيقي بديع؟ مثلاً: «رسالة الغفران» للمعري، أو «رسالة الصاهل والشاحج» لأبي العلاء نفسه، أو«حيّ بن يقظان» لابن طفيل؟ وهل ثمّة حلم عربي أروع من رؤية العالم العربي حيّاً ويقظاً، في يوم من الأيام، في شهر، في سنة، في عَقد، فتهدأ الجراح وتنام؟
الجراح الثقافية لا تهدأ، فالعلاقات بين الثقافة والموسيقى غير سويّة على طول تاريخنا. كانت ولا تزال كالدب الحبيس تلفّ وتدور في قفص الكلمات الغنائية. تألقت كلمات الأغاني في عقود قليلة، بين العقدين الثاني والسابع من القرن العشرين، ثم انزلقت في انحدار إلى قاع، غير القاع بين البان والعَلَم. المؤسف المقلق هو أن الأذن العربية رضيت بالكثير من الابتذال الذوقي كأنها لم تسمع شعراً جميلاً قطّ. منزلقات لا حسيب عليها ولا رقيب.
كيف وصلنا إلى هنا من السؤال: هل الخيال مهمّ لدى الموسيقيين العرب؟ الحقيقة أن القلم قضى نصف ساعة ممتعاً مع «هكذا تكلّم زرادشت»، المقصود ليس العمل الروائي الفلسفيّ الذي ألّفه الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه، بل الأثر الموسيقي الذي أبدعه الألماني ريتشارد شتراوس سنة 1896 مستوحياً هذه القصيدة السيمفونية من كتاب نيتشه، وقد قسّمها إلى تسعة فصول منها: «شروق الشمس، من الشوق العظيم، عن الأفراح والمشاعر، عن العلوم والتعلم، أغنية الرقص وأغنية هائم الليل». أمّا عن انتشار هذا العمل عالميّاً وتنوّع المقتبسين منه في السينما وأفلام الخيال العلمي والعروض الموسيقية، كمصاحبة دخول إلفيس بريسلي المسرح في حفلاته، وحتى في بعض المضحكات، كاقتطاف شيء منها في بداية حلبات المصارعة، فحدّث فلا حرج ولا إحراج.
لزوم ما يلزم: النتيجة الخيالية: إذاً، في إمكان عبقرية الموسيقى العربية أن تبدع قصيدة سيمفونية مستوحاة من «رسالة الغفران»، نسمعها في أفلام العرب وحتى في عروض المصارعة. تفاءلوا بالخيال، تجدوه.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3kd6jtn9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"