لماذا لا تعيش لنا انتفاضة عربية؟

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السناوي

لم يكن تقويض العملية السياسية في السودان بأثر مباشر للحرب المأساوية بين طرفي المكون العسكري، خروجاً عن سياق الإخفاقات التي لاحقت الثورات والانتفاضات العربية. لماذا.. وكيف انكسرت في كل مرة الرهانات الكبرى التي تبدت في الشوارع الغاضبة؟

الظاهرة برسائلها ورهاناتها وإخفاقاتها، تستحق التوقف عندها بالدرس والتعلم.

في موجتين متتاليتين الفارق بينهما ثماني سنوات، نشأت ثورات وانتفاضات، اختلفت أسبابها ودواعيها، وتقاربت أهدافها المعلنة، طلباً لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

على الرغم من التضحيات الهائلة التي بُذلت فإنها تعرضت جميعها للإجهاض.

الموجة الأولى، شملت تونس ومصر واليمن وسوريا وليبيا. بدا النجاح ممكناً في الحالتين المصرية والتونسية، غير أنهما أجهضتا في بدايات الطريق، أو قرب منتصفه. اختطفت ثمار الثورة في مصر من جماعة «الإخوان المسلمين»، دخل البلد في صدامات وصراعات أفضت تداعياتها إلى إجهاض التجربة كلها.

في تونس استفادت حركة «النهضة»، التي تنتمي بدورها لتيار الإسلام السياسي، من الدرس المصري. حاولت في البداية تجنب منزلقاته، غير أنها عندما آلت إليها قيادة البرلمان مالت إلى الاستئثار بالسلطة، وتغولت على صلاحيات رئيس الجمهورية في إدارة الشأن الخارجي باسم «الدبلوماسية البرلمانية»، وكان الفشل ذريعاً في إدارة الاقتصاد. كان ذلك داعياً إلى تقبل شعبي واسع لإطاحتها.

التجربة السورية تحولت إلى حرب إقليمية ودولية بالوكالة، أدخلت جماعات عنف وإرهاب، مُزق البلد بمناطق نفوذ إقليمية ودولية، وجرى عزله عن محيطه العربي لسنوات طويلة.

جاءت التجربة اليمنية على صورة مأساوية أخرى، جرى توظيف شعارات الديمقراطية لمصالح وحسابات أخرى لا علاقة لها بأية حداثة انتهت بحرب أهلية نالت من وحدة البلد وتماسكه.

وكانت التجربة الليبية مثالاً صارخاً على الدور المدمر الذي لعبه حلف «الناتو» بمساعدة إقليمية في إسقاط البلد كله باسم تصفية حسابات قديمة مع العقيد معمر القذافي. أدخلت ليبيا في حرب أهلية استهلكت طاقاتها وثرواتها.

على الرغم من الإحباط الذي ضرب موجة الانتفاضات الأولى حول عام (2011) فإن موجة ثانية في عام 2019 نشأت بعد ثماني سنوات شملت السودان والجزائر ولبنان والعراق. كان ذلك مؤشراً على استحكام أزمات الشرعية في أغلب النظم العربية وقوة طاقة الغضب التي تستعصي على أي إحباط.

بدت لفترة طويلة نسبياً التجربة السودانية الأكثر تماسكاً والأعلى فرصاً في النجاح. أطاحت حكم عمر البشير الذي امتد لثلاثين عاماً مستنداً على تحالف عسكري «إخواني».

نشأت نخبة جديدة شابة وحديثة تحت عناوين «قوى الحرية والتغيير» و«تجمع المهنيين» و«لجان المقاومة».

كان أسوأ ما جرى بعد إطاحة البشير الإلحاح على تمديد المرحلة الانتقالية لأربع سنوات، لم يكن ذلك ضرورياً، لكنها أخطاء الحسابات، المثير أن أغلب مهام الانتقال عُطلت.

أطاح انقلاب عسكري، الحكومة المدنية التي ترأسها الدكتور عبدالله حمدوك، ودخل السودان إلى مرحلة سائلة ومنذرة، أحاديث مخاتلة عن نقل السلطة إلى المدنيين من دون أن يكون ذلك مصدقاً حتى انفجرت الحرب المدمرة بين طرفي المكون العسكري، الجيش الوطني و«قوات الدعم السريع» يصعب الحديث بعدها عن استئناف العملية السياسية في أي مدى منظور. الصورة تختلف في الجزائر، حقق «الحراك» هدفه المباشر في منع ترشح الرئيس المريض عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة.

الأوجاع الاقتصادية كانت الشرارة التي دعت السودانيين للاحتجاج في الشوارع غير أن عمق الأزمة، أضفى على الاحتجاجات طابعها السياسي، وأحالها ثورة متكاملة الأركان تجاوزت إزاحة عمر البشير، إلى التطلع لبناء نظام ديمقراطي جديد على قاعدة السلم الأهلي جرى إجهاضها لاحقاً.

ملفات الفساد المتخمة كانت أحد الدوافع الرئيسية للحراك في كل من العراق ولبنان. بدأت الاحتجاجات فييهما بدوافع اقتصادية واجتماعية، غير أن البيئة العامة المسممة بالمحصصات الطائفية، دعت إلى تطوير الخطاب الاحتجاجي إلى دعوات تطالب بتفكيك النظام الطائفي وإزاحة النخب الفاسدة التي تتقاسم الثروات في محاصصات ويخضع قرارها لحسابات لا علاقة لها بمصالح اللبنانيين والعراقيين.

بتلخيص ما فإن العنوان الرئيسي المشترك للموجتين الأولى والثانية هو: التطلع إلى بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، علت نداءات دولة المواطنة فوق أي نداء آخر.

كان ذلك أفضل ما أسفر عنه الحراك في كل من العراق ولبنان اللذين افتقرا إلى أية قيادة معروفة تفاوض باسمهما لكنهما لم يحدثا اختراقاً يعتد به في معادلات السياسة والمجتمع.

غير أن ما هو مشترك يستدعي السؤال: لماذا لم تعش لنا انتفاضة عربية؟

أهم ما يجب التوقف عنده على الرغم من أي إحباط في كل تجارب الحراك العربي، تصدر الشباب للمشهد العام، وغلبت وسائل العصر على الأساليب التقليدية في الحشد والتعبئة.

كأي فعل يمتد عميقاً في حركة مجتمعه، فإنه لا يمكن مصادرة تداعياته على أي مدى منظور، وحضور الأجيال الجديدة في صدارة المشهد، هو رسالة بأن المستقبل هنا مهما طال الوقت.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bderjy9r

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"