نصر بلا حرب

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. ناجى صادق شراب

عنوان المقال مستوحى من عنوان لكتاب الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون «نصر بلا حرب». فبعد هزيمة إسرائيل في حرب 1973 آمن الرئيس الأمريكي بأن المواجهة العسكرية مخاطرة، وأن التفوق في التسليح لا يعنى ضمان النصر. فوضع كتابه المذكور الذي قامت فكرته الرئيسة على التساؤل: كيف ننتصر بلا حرب؟

أحد الأسلحة الفعالة حسب نيكسون، هو إطلاق حملة إعلامية مكثفة ضد العدو، والسلاح الآخر الذي لا يقل عن الأول أهمية هو امتلاك ناصية العلم والتكنولوجيا ومنع ذلك عن العدو. ويقصد بالعلم الحرب الجرثومية. ومن ناحية أخرى أجاب عن هذا السؤال الكاتب الأمريكي جوزيف ناي بمفهوم «القوة الناعمة» والتي لم تعد حكراً على الدول الكبرى فقط، بل كل الدول والشعوب تملك هذه القوة وتتفاوت في درجاتها.

هذا السؤال ينطبق على العلاقات العربية الإسرائيلية. فهل الحرب كخيار نجح في حسم الصراع لصالح أحد الطرفين.؟ لقد تحكمت الحرب في العلاقات فشهدنا خمس حروب لم يتحقق الهدف منها، وقد تكون حرب 1973 ترجمة لهذه المقولة، لأنها انتهت بتوقيع اتفاقات السلام بين مصر وإسرائيل بعد أن نجحت مصر في استعادة أرضها في سيناء التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، ولتفتح الباب أمام معاهدات السلام مع أكثر من دولة عربية. لا إسرائيل قادرة على هزيمة الدول العربية ولا الدول العربية قادرة على هزيمة إسرائيل، بفعل التحالف والالتزام الأمريكي بأمنها وتفوقها.

على الجانب الفلسطيني- الإسرائيلي، لا يمكن مقارنة القوة الإسرائيلية بالقوة العسكرية التي تملكها فصائل المقاومة الفلسطينية. ثم إن مفهوم الحرب لا ينطبق على الحالة الفلسطينية الإسرائيلية، بمعنى أن إسرائيل وبما تملكه من قوة يمكنها إلحاق تدمير في الأراضي الفلسطينية، ومن جانبها، المقاومة اليوم وبما تملكه من أسلحة متطورة نسبياً وبحكم التلاصق الجغرافي، يمكنها أن توقع خسائر كبيرة في الجانب الإسرائيلي، أي أننا أمام نموذج وخيار هدم المعبد على رؤوس الجميع.

كما أن تواصل الجغرافيا والتداخل السكاني يحولان الحرب إلى خيار مدمر. وما يؤكد هذه الفرضيات أن إسرائيل قد شنت أربع حروب على غزة ألحقت بها أضراراً كبيرة زادت من نسبة الفقر والبطالة، لتزيد على خمسين في المئة ولتحول الشعب الفلسطيني في غزة إلى شعب اتكالي غير منتج، ينتظر المساعدات. وأيضاً فإن إسرائيل ورغم قوتها الكبيرة التي تفوق قدرات دول أخرى لا تستطيع أن تذهب بخيار الحرب بعيداً. السؤال ما البديل للحرب؟

الإجابة نجدها في كتاب «فن الحرب» للاستراتيجي الصيني سون تزو الذي كتبه قبل 2500 عام وفيه يضع مراحل زمنية لهزيمة الخصم، ويقول إن أفضل طريقة لهزيمة الخصم هي إبطال وإفساد كل ما يمثله من مقولات وسرديات وقيم وأخلاقيات، وألا يُترك أن يعيش كما يريد. ويقدم نصيحة تناسب الحالة الفلسطينية بالقول «لا تدعه يشعر بالراحة،ابدأ بإنهاكه». وبالنسبة للعميل السوفييتي السابق يوري بيزمينوف إن «أعلى فنون الحرب هي عدم القتال، بل تخريب كل ذي قيمة في دولة عدوك». العبرة هنا بالمدلول العام لهذه المرحلة التي تعاني فيها إسرائيل أزمات داخلية تهدد وجودها. فمفتاح هزيمة إسرائيل من الداخل وليس من الخارج، الخارج يوحد إسرائيل والداخل يبرز التناقضات في داخل إسرائيل.

الفلسطينيون يملكون الكثير من عناصر القوة الناعمة والخيارات والمقاربات البديلة للحرب، أولها العنصر السكاني وكيفية الحفاظ على صموده وتجذره في أرضه. وثانيها قوة الحقوق التاريخية والحضارية التي تؤكد الحق الفلسطيني، ثالثها قوة الشرعية الدولية وتفعيلها، ورابعها إقامة نظام سياسي ديموقراطي توافقي، وخامسها استمرار الدعم العربي للقضية الفلسطينية، وسادسها استعادة مكانة القضية الفلسطينية عربياً ودولياً، وسابعها توظيف مبادرة السلام العربية، لإنهاء الاحتلال بتخيير إسرائيل بين السلام والحرب. وثامنها تبني خيار الدولة الواحدة لكشف عنصرية السياسات الإسرائيلية ووهم ديمقراطيتها.

إن تبني السلام بقوة المقاربات والخيارات السابقة كفيل بأن يخلق قوى ضغط على إسرائيل وجعل الاحتلال مكلفاً، وثمنه عالياً، ونجعل من السلام قوة تهزم سلام القوة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mu3a3ysc

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"