هل هو شأن داخلي؟

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

وليد عثمان

أصر مندوب السودان في الجامعة العربية، حين اجتمعت لتداول أمر الأزمة في بداياتها، أن ما يحدث في بلده شأن داخلي، مطالباً الدول العربية بالتدخل للتهدئة، دون تدخل دولي.

ولا شك أننا نقدّر سياسة كل بلد، ونقف بشدة في وجه أي تدخل دولي في أي قُطر إلا في حدوده الدنيا المقيدة بالقانون الدولي غير الموجه، لكن هل استطاع السودان بعد أسبوع من التفاصيل المدمرة أن يغلق أبواب الجحيم التي انفتحت على شعبه مع بدء الاقتتال؟

لعل المندوب السودان كان يعبر عن تخوف أو توقع بأن يستغل طرف خارجي، أو أطراف، ما يجري في إحداث مزيد من العبث بالخريطة السودانية، ولعله راهن على حسم المواجهة سريعاً بشكل تكفي معه الجهود العربية للتهدئة ثم اتفاق المكونات السياسية والعسكرية «الرابحة» على ما يلي من خطوات.

وها هي الأيام تمضي في وطن آفته المكونات، والمتحدثون باسمها، بينما الشعب السوداني يدفع الثمن كل لحظة من أمنه وقوته وحياته، ويكاد يكفر بالمكونات والزاعقين على الشاشات.

لم يعد الأمر سودانياً، والجرح المفتوح أوسع وأعمق من الحدود ومعاني السيادة، وليس أقرب إليه من الأخ العربي الصادق الذي ابتلي، وهو يتهيأ للعيد، بساحة جديدة تتزاحم فيها مفردات الأسى.

يقيناً، هناك جهود عربية مخلصة تبذل، المخفي منها أكثر من المعلوم، وبعضها مقيّد بالخشية من شبهة التدخل أو مناصرة هذا أو ذاك، لكن الشعب السوداني يستحق ما هو أكثر، ويستأهل مد يد العون في شأنٍ أطرافه سودانية، وضحاياه ممن يحبهم العرب، وما من أحد لا يحب السودانيين إلا أعداءه المتاجرين بدمائه.

لا يمكن ترك الشعب السوداني أسير مواجهة تأكله وتأكل مقدراته، ثم لهدَن متوالية تستسلم سريعاً، وتنهار أمام أصوات الاشتباك.

لا عاقل يحتمل تمدد مساحات المعاناة العربية، ولا تبديد الجهود في لملمة جراح لسنا بحاجة إليها، يكفي ما تحاول التفاهمات تطويقه، وتجاوز آثاره الناشبة في الأرواح، بفعل تفاصيل نراها الآن تكبر في قلب المواجهة السودانية.

السوداني الكريم لا يمكن رهن وقت طعامه برغبة السلاح، أياً كان حامله، ولا يمكن تخييره بين الموت على يد طائش، أو في سيارة إسعاف، أو في مستشفى خارج عن الخدمة، إن استطاع بلوغه، أو كمداً على وطن مهدد بالتمزق.

نريد سوداناً واحداً، وليس من مصلحة عربي صادق أن تعلو من جديد لغة المكونات التي تكاد تفسد حد التعايش والسعي إلى الاتفاق الذي سبق المواجهة.

كل الجهود العربية ينبغي أن تجاهر بسعيها لنصرة السودان، لا فرق في ذلك بين جهد فردي أو ثنائي أو جماعي، ولا فرق بين تحرك دول أو كيانات إقليمية، فالغاية أقدس من أي حسابات. عصمة السودان من التفتت والتناحر تحت رايات عدة، أوجب من التحسب لصخب المكونات التي تهدد بالفرقة، لا الوحدة، فالأمر تجاوز حدود «الشأن الداخلي».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/57u5f8nx

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"