وضع سوداني مؤلم

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

الحرب مأساة دائماً، كذلك صورتها في مختلف الصراعات التي شهدتها البشرية منذ بدء التاريخ. ومع تطور أدوات القتال والأسلحة الفتاكة أصبحت التداعيات الإنسانية مضاعفة، والثمن الذي يدفعه المدنيون فادحاً وكبيراً، والمنشآت العامة والمرافق التي تتعرض للتدمير والتخريب تنسف جهود الأجيال في البناء والإعمار وتجعل من مسارح المعارك غير قابلة للحياة.

ما يدور في السودان صراع بين أبناء البلد الواحد، وما جرى على مدار أسبوع من الحرب أسفر سريعاً عن أوضاع إنسانية مؤلمة، مع توالي الأرقام والمؤشرات الصادمة عن تضرر المنشآت المدنية وخروج أغلبية مستشفيات العاصمة الخرطوم من الخدمة ومعاناة المرضى والمصابين بسبب نقص الأدوية والكوادر الطبية، إضافة إلى المشاهد المؤذية لجثث ملقاة في الشوارع تعود لضحايا الرصاص الطائش بين الفريقين المتصارعين، بينما يؤدي نقص الأغذية والمواد الأساسية وإغلاق الأسواق وتعطل خدمات الماء والكهرباء إلى وضع كارثي يهدد بالمجاعات والأمراض والوفيات بين الفئات الهشة كالنساء والأطفال وكبار السن. ولتفادي الأسوأ، ومنذ انطلاق الرصاصة الأولى، تعالت النداءات من كل حدب وصوب داعية إلى التهدئة ونزع فتيل التصعيد، والعمل على حماية المدنيين وحل الأزمة بالحوار وبالمفاوضات، فذلك هو السبيل الوحيد للحفاظ على مكاسب الشعب السوداني، والخيار الأوحد لبناء مسار سليم يقود إلى الاستقرار والسلام والتنمية والازدهار.

منذ اليوم الأول لهذا الصراع المؤسف، بادرت دولة الإمارات العربية المتحدة بالدعوة العاجلة إلى ضرورة احتواء الأزمة ووقف التصعيد وتحقيق توافق وطني بين جميع الأطراف يعيد الأمن والاستقرار. وشددت على موقفها الحكيم بضرورة إعلاء المصلحة العليا للسودان والعودة إلى المسار السياسي. وتتسق هذه الدعوة مع نهج الإمارات المنتصر دائماً لحل الأزمات سلمياً عبر التسويات السياسية. والظرف الصعب الذي يمر به السودان يتطلب تغليب العقل وضبط النفس، لأن استمرار الصراع قد يؤدي إلى نتائج غير محسوبة ولا يمكن رؤيتها الآن. وفي بلد مترامي الأطراف ويعج بالسلاح ومطوق بوضع إقليمي هش، لاسيما من الجهة الغربية، قد يدفع بالأوضاع إلى سيناريوهات سيئة تهدد الوحدة الوطنية للسودان وتفاقم من عوامل انعدم الاستقرار في تلك المنطقة على وجه الخصوص.

المشهد معقد والمستقبل مفتوح على خيارات عديدة، ومع قتامة المشهد، هناك نقطة ضوء مع الإعلان عن هدنة من ثلاثة أيام يمكن للاتصالات العربية والدولية أن تبني عليها بسرعة لتجعلها مقدمة لجمع طرفي الصراع، الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» على طاولة المفاوضات مع القوى المدنية والأطراف المحلية المحبة للسلام من أجل التوصل إلى حل عاجل يخمد هذه الفتنة الملعونة التي يمكن أن تطول وتتسع.

وعندما تبدأ مختلف دول العالم في إجلاء بعثاتها الدبلوماسية ورعاياها من الخرطوم، فذلك يؤكد أن هناك مؤشرات واضحة على تدهور إضافي وأوضاع إنسانية أكثر إيلاماً مما سبق. وحتى لا يخرج الأمر عن السيطرة، يجب على المجتمع الدولي ألا يترك السودان وحيداً في هذه المحنة. وعلى كل القوى الفاعلة أن تكثف مساعيها لإنقاذ هذا البلد ودرء المخاطر عن مستقبل شعبه.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mr3zrf2h

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"