البرازيل والانزعاج الأمريكي

00:27 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

لا يمكن تفسير الانزعاج الأمريكي من التحركات البرازيلية الإقليمية والدولية، مؤخراً، سوى أنه تعبير عن خيبة أمل واشنطن من الإبقاء على دولة بحجم البرازيل مجرد حديقة خلفية لها كما كانت عليه الحال في السابق، على الرغم من أن الرئيس العائد لولا دا سيلفا أبدى رغبة واضحة في الانفتاح على الجميع.

 ومن هذا المنطلق استهل دا سيلفا جولاته الخارجية بزيارة واشنطن، وتعهد رفقة مضيفه جو بايدن، بحماية الديمقراطية وصون غابات الأمازون التي تمثل حاجة أكثر من ضرورية للحفاظ على التوازن البيئي بالنسبة لكوكب الأرض، والتي تدهورت حالها في عهد بولسونارو.

 ويؤشر الاتفاق على حماية الديمقراطية إلى قطع الطريق على تحالف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وبولسونارو، اللذين يمثلان نسخة واحدة، من وجهة نظرهما، ومنعهما من العودة للسلطة مجدداً. إذ خلال السنوات الأربع، التي تربع فيها بولسونارو على رأس السلطة، كانت البرازيل شبه معزولة عن العالم، بينما يريد دا سيلفا استعادة الدور الإقليمي والدولي لبلد يمثل أكبر اقتصادات أمريكا اللاتينية، ناهيك عن إعادة إنعاش الاقتصاد وعجلة الإنتاج التي تضررت كثيراً في عهد سلفه. ولأن دا سيلفا يدرك أهمية دور البرازيل ومجموعة «بريكس» التي تفوقت اقتصادياً على مجموعة الدول السبع الكبرى، بحسب بعض التقارير، فقد كان يرغب قي موازنة العلاقات بين الشرق والغرب، لكن واشنطن كان لها رأي آخر في هذا المجال، انطلاقاً من مفهومها للعلاقات الدولية، ومحاولاتها تكريس قاعدة «من ليس معنا فهو ضدنا». 

 ووفقاً لهذه القاعدة، فقد نسيت واشنطن أو تناست الاتفاق على حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان، واعتبرت زيارة دا سيلفا للصين خرقاً للمصالح الأمريكية، وعندما حاول دا سيلفا اقتراح خطة سلام لإنهاء الحرب في أوكرانيا، عبر إنشاء مجموعة من الدول غير المشاركة في الحرب للتوسط في السلام، مشيراً إلى أن الغرب «يؤجج» الصراع بتسليح أوكرانيا، وداعياً واشنطن إلى التوقف عن إرسال الأسلحة إلى أوكرانيا والبدء بالحديث عن السلام، قامت الدنيا ولم تقعد. فقد اتهم البيت الأبيض البرازيل بأنها «تردد كالببغاء الدعاية الصينية والروسية من دون أن تنظر بتاتاً إلى الحقائق بشأن الوضع في أوكرانيا». بطبيعة الحال، رفضت البرازيل الانتقادات الأمريكية، وعلق وزير خارجيتها ماورو فييرا على تصريحات المتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي بالقول: «لا أعرف كيف أو لماذا توصل إلى هذا الاستنتاج، ولكني لا أوافقه على الإطلاق». 

 والحقيقة أن الانزعاج الأمريكي من البرازيل لا يتوقف على مساعي برازيليا للبحث عن حل متوازن للأزمة الأوكرانية التي انعكست تداعياتها على العالم بأسره، وإنما لتأكيد البرازيل حيادها واستقلالها وخروجها من تحت العباءة الأمريكية. 

 والأسوأ هو شعور واشنطن أن البرازيل ليست واحدة من «جمهوريات الموز» وأن لديها القدرة على التأثير في السياسات الدولية، والبحث أيضاً عن مصالحها الخاصة، خصوصاً بعدما توصلت إلى اتفاق مع الصين للتخلي عن الدولار واستخدام عملتيهما المحليتين في تعاملاتهما التجارية الثنائية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yrk9zpnt

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"