عبث الحروب الأهلية

00:29 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

تحديد مسببات الحروب الأهلية، مسألة شائكة وعسيرة؛ إذ يتداخل فيها المحلي بالإقليمي بالدولي، كما تتداخل العوامل المدنية بالعسكرية، والاقتصادية بالسياسية، والدينية بالعلمانية، ويلعب التجار دوراً كبيراً في استدامتها، لا سيّما تجار الأسلحة والمواد التموينية واللوجستية، كما يسهم في استدامتها الدور السلطوي ونزوع الإنسان إلى التفرّد والتسلّط وتجنّب المشاركة الجماعية، إضافة إلى نزوعه نحو مصادرة الآخر بعنف وحدّة؛ بحيث يسعى إلى محوه من الوجود عن طريق قتله أو تهجيره واقتلاعه من المكان. 

 وخلال الحروب الأهلية، تزدهر الشعارات والأيديولوجيات والشعبويات، وتلجأ الأطراف المتقاتلة إلى عنصريتها الدينية والمذهبية والعرقية والقبيلة؛ لذلك، لم نجد حرباً أهلية على مدى التاريخ اقتصرت على جهتين رئيسيتين؛ بل نشهد المكوّنات المجتمعية والسياسية والدينية تتقاتل مع بعضها بجنون، غير مكترثة للوطن- الجغرافي، أو الوطن - الإنساني. وفي الأغلب تغذّي الحروب الأهلية، دول إقليمية أو غير إقليمية، تمدّ الأطراف جميعاً بالسلاح وبالمال والتموين، ما يؤدي إلى استمرارها لسنوات طويلة.

 يختلف الباحثون والأكاديميون على إطلاق مصطلح «الحرب الأهلية» على النزاعات الداخلية، ويرون أنه ليس كل اقتتال داخلي هو حرب أهلية؛ إذ قد تنشب حرب داخلية يتولى فيها الجيش التصدّي للمتمردين، على سبيل المثال، أو يتقاتل فريقان من الجيش في محاولة للاستيلاء على السلطة، ويدفع فيها المدنيون الثمن الكبير، ويشكلون الضحايا الأكثر عدداً. وهناك من يعتقد أن محاربة السلطات الظالمة، لا يقع ضمن الحروب الأهلية، حتى إن البعض لا يعدّ المعارك التي اندلعت ابتداء من عام 2010 حتى اليوم، وأُطلق عليها ظُلماً تسمية «الربيع العربي»، ضمن تعريف الحرب الأهلية، بينما يدرجها البعض ضمن الحرب الأهلية، نظراً لانقسام الشعب نفسه على بعضه، وانخراطه في مجموعات مسلحة، تقاتل بعضها.

 الغريب والمدهش والمؤلم في كل الحروب الأهلية التي وقعت في العالم والتي يحسبها الباحثون بأكثر من 100 حرب أهلية، أن جميعها لم تحقّق شيئاً يُذكر، ولم تتمكن البندقية من إنجاز حلول حقيقية على أرض الواقع، وفي الأغلب انتهت تلك الحروب في جلوس الأطراف المتحاربة الرئيسة إلى طاولة الحوار، وتوقيع اتفاقيات تقاسم سلطة، أو غير ذلك، ويحدث هذا، بعد أن تكون القوى الداعمة والمحرّضة، وهي دول إقليمية وعالمية، قد اتفقت في ما بينها، على تقاسم النفوذ.

 بناء على ما تقدّم، هل يمكن النظر إلى الحرب الأهلية على أنها خيانة للوطن؟ إنه سؤال جوهري، لأن الوطن هو الضحية الأولى، ولأن مصالح المتقاتلين هي مصالح ضيّقة وليست وطنية، ولأن جميع الأطراف تتلقى دعماً خارجياً، لأن البلد الذي يتعرض لحرب أهلية لسنوات طويلة، ينهار اقتصاده وتتعطل مصانعه، وتتضرر بنيته التحتية، والإنتاج يتضاءل تدريجياً حتى ينعدم. ومن الواضح في هذه الحالة، أن اللاعبين الخارجيين يضخون أموالاً ضخمة، وبالتالي فإن الحرب الأهلية هي خيانة إلا ما ندر، ونحن هنا لا نتحدث عن الحروب التي تهدف إلى التحرر ونيل الحرية، تلك حروب ليست أهلية، إنّما وطنية.

 لماذا تنشب الحروب الأهلية، ولماذا تقدّم الأطراف التضحيات، ولماذا يتم تدمير الوطن، ما دام أن الجميع سيجلسون في النهاية إلى طاولة المفاوضات، ويلجأون إلى الحوار السلمي؟ هل هو التعب أم الاقتناع بأن الحرب ليست وسيلة للتفاهم، أم الاستعداد بالاعتراف بالآخر والتعايش معه؟ الإجابة حسب تصوري المتواضع، أن اللاعبين لا يمتلكون قرارهم، وأن الوطن في اللحظة التي تنشب فيها الحرب الأهلية، فإنه يفقد معنى السيادة. لهذا يرى الباحثون أن الحروب الأهلية تراجعت بنسبة كبيرة في القرنين العشرين والحادي والعشرين، بسبب سيادة القطب الواحد، الذي يقوم بدور المايسترو في العالم، ويبيح لنفسه إشعال حرب صغيرة هنا وهناك، ويرى آخرون أن الحروب الأهلية الأخيرة، هي بسبب تعدد الأقطاب العالمية، ومحاولة إعادة توزيع النفوذ. وفي النهاية، حياة الإنسان والمدنيون هم الضحايا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/34hhsuks

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"