أمريكا وتحديات القانون

00:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

إن الحدث السياسي، يمثل رمزاً حياً للتفاعل السياسي الاجتماعي، وإنه مؤشر مهم على اتجاهات الرأي لأمة أو شعب، ومنطلق تتدفق عنه ومنه سائر الاحتمالات الفكرية التي تتمثل في الحوارات، وكافة وسائل الاتصالات التي تتمحور حولها، إضافة إلى كونه عامل إثراء وتحريك لمجرى الوعي، ولحركة الفكر في فعاليات الحياة. والإنسان كائن فعّال في هذا الكون في طبيعته وفي تركيبه، وكذلك في مآله ومصيره.

الشعب الأمريكي تفرد في تطوره واكتشافاته العلمية وفي خاصيته الجوهرية، وتطور في أحواله وغاية وجوده وفرديته مع حياته الاجتماعية. وعندما ننظر إلى محاكمة الرئيس السابق ترامب، الذي يسعى إلى السلطة على الرغم مما لحق به من اتهامات، فإنه لم يستسلم ولم يذعن، باعتباره الشخص «المنقذ للحضارة الأمريكية المهيمنة»، والقادر على تصريف حياة الشعب الأمريكي، وفرض الهيمنة الأمريكية على الخصوم قبل الحلفاء.

هذه النظرة لم يعتدل بها الميزان الديمقراطي في أمريكا؛ لذلك كان لها أثرها في التخبط والاضطراب في الأنظمة والقوانين، وفي السلوك الفردي والسلوك العام؛ إذ إنه لا يمكن الفصل بين تصور الإنسان لنفسه وسلوكه الواقعي في الحياة.

الولايات المتحدة اليوم بلغت في القوة العسكرية والنفوذ السياسي أوجها، ولكنها اليوم تهبط إلى أسفل الدركات، بعد أن تراخت مسارات هذه القوى الضخمة العميقة الجذور في الكينونة البشرية إلى حالة شد وجذب، وإلى صراع أليم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ثم جاءت الطامة الكبرى متمثلة في محاكمة ترامب، والذي يعد جموحاً مضاداً لجموح الجمهوريين أو الشعبويين الأمريكيين؛ لتنتج الموجة العاتية في مدها حتى اللحظة الحاضرة، بما قد يؤدي إلى عاصفة مدمرة تهوي إلى هاوية الدمار، إنها ثورة أخلاقية وقانونية. وتعد هذه المحاكمة حدثاً فريداً في تاريخ الولايات المتحدة؛ إذ لأول مرة يمثل رئيس سابق أمام هيئة محلفين، ليواجه سلسلة طويلة من التهم التي قد يعاقب عليها. وهذه المحاكمة تتم بعد النبش والحفر والتدقيق في فعاليات حياته، في كافة الوثائق والخطابات، وقانون تواترت مفاهيمه، في سلسلة منتظمة ومتمايزة من الأحداث التي تمثل الخطر القائم، على الاتصال والمادية والتراكم والتصور الذي لا يستبعد توجيه التهم لشخصيات سياسية أخرى، وعلى قدر عال من الشمولية والتقنيات والأحداث المرتبطة بالتهم. وفي الواقع لا يمكن النظر إلى هذه المحاكمة بعيداً عمّا يجري في الولايات المتحدة التي تشهد تراجعاً اقتصادياً مخيفاً، لم يحدث عبر تاريخها السابق.

وكان الرئيس السابق دونالد ترامب قد ترشح إلى الانتخابات الأمريكية، وليس له انتماء حزبي لأي من الحزبين، وكان الشعار الذي رفعه هو «أمريكا أولاً»، ومن ثم تبناه الحزب الجمهوري فيما بعد، لما رأى أن برنامجه الانتخابي يخدم مشروعه السياسي، وخلال فترة حكم ترامب ابتعد كثيراً عن حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في أوروبا وشرق آسيا، كما أنه دشن عهد الحروب التجارية مع الخصوم والأصدقاء على السواء، وعمل على بناء سور مع المكسيك لوقف تدفق المهاجرين، ومنع المساعدات الخارجية.

وقد ساهمت إجراءاته تلك في وقف التراجع الاقتصادي، لكن عدم انضباطه الحزبي وسياسته الشعبوية خلقت له أعداء كثيرين داخل الولايات المتحدة، ما أدى إلى خسارته منصب الرئاسة لصالح المرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي أعاد التحالف مع الأصدقاء وفتح خزائن الولايات المتحدة من السلاح والمال، لدعم أوكرانيا في الحرب ضد روسيا، ما أدى إلى تضاعف معدل التراجع الاقتصادي، حتى أن الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي أصبح تحت مستوى الصفر، وهناك مخاطر من زيادة الانكماش الاقتصادي، وبالتالي حدوث انهيار شامل في الاقتصاد الأمريكي، يؤدى إلى المزيد من البطالة والكساد.

ويسعى ترامب إلى العودة إلى الرئاسة، رغم محاكمته إذ تتهمه الكاتبة إي جان كارول في دعوى قضائية مدنية باغتصابها ووفقاً للدستور الأمريكي لا يعتبر السجل الجنائي النظيف جزءاً من معايير الترشح لمنصب الرئيس، حتى وإن وقفوا يتصدون له وصمموا على تجريمه، وهؤلاء لا ينتمون إلى الحزبين؛ بل هم من الدولة العميقة، الأمر الذي دفع الجمهوريين إلى مساندة ترامب، بعد أن وجدوا أن محاكمته تمثل ضربة لهم ولحضورهم السياسي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yptmahm5

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"