الهجرة وأكذوبة الإنسانية

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

لطالما تبجّح الغرب بشعارات رنانة من قبيل «الحرية»، و«الإنسانية» وغيرهما من الكلمات الخالية من المضمون في جوهرها، فبمقارنة سريعة بين ادّعاءات الغرب وما يطبقه على أرض الواقع، تظهر المفارقات. ففي الوقت الذي يعيب فيه على الدول الأخرى عدم الحرص على حياة الإنسان، ويصدر في ذلك تقارير دورية، فإنه يصرف أموالاً طائلة، لمنع الهجرة عبر المتوسط إلى أراضيه، ويعمل جاهداً على رفض آلاف الهاربين من الموت والجوع، من أن تطأ أقدامهم شواطئه.

الأمر أصبح سريالياً بشكل يتخطى الحدود، ومشاهد تكدس الجثث المرمية على الشواطئ، باتت أمراً اعتيادياً، بل إن التعامل مع مئات الغرقى صار يتذيل نشرات الأخبار، وكأن من مات وأمسى طعاماً للأسماك، لا يستحق إثارة قضيته إعلامياً أو طرحها في جداول السياسيين لحل معضلته.

جُلّ ما يتم سماعه بشأن معالجة قضايا النزوح والهجرة من قبل الغرب، يخالف تماماً شعاراته الإنسانية؛ إذ إن دولاً أوروبية عدة تعمل جاهدة للحد من نشاطات الهجرة، وتؤطر جهدها ذاك بادّعاء أنه يحمل صبغة قانونية، ولعل ما قام به برلمان ليتوانيا، بإصداره تشريعاً يسمح لحرس الحدود بإعادة المهاجرين الذين يعبرون الحدود بشكل غير قانوني إلى البلاد التي قدموا منها، مثال صريح على ضرب أوروبا عرض الحائط تحذير المنظمات الإنسانية بشأن حماية المهاجرين، وليتوانيا ليست المثال الأوحد للتنصل الغربي من أي التزام إنساني تجاه من أرغمتهم ظروفهم القاهرة على مفارقة مسقط الرأس، فالأزمة الأخيرة بين فرنسا وإيطاليا، وتوجيه كل واحدة منهما اللوم للأخرى بشأن استقبال اللاجئين بعد رفض روما استقبال سفينة تقل مهاجرين، مثال آخر على أن الغرب اختار محاربة الهجرة نهجاً له، وأخذ يعد في سبيل ذلك القوانين والنظم التي تعينه على رفضهم، وآخر بدع الغرب ما قامت به الحكومة البريطانية أخيراً من طرح مشروع قانون، يهدف إلى منع المهاجرين «غير الشرعيين» من طلب اللجوء إليها، كما وجّه سوناك - ذو الأصول الهندية- رسالة صادمة: «إذا كنتم قدمتم إلى هذا البلد بطريقة غير قانونية، ستُطردون بسرعة».

الامتعاض الأوروبي يتزامن مع غرق العشرات في الأيام الماضية، حيث جرفت المياه ما لا يقل عن 57 جثة تكدست على شواطئ تونس وليبيا، بعد غرق قاربي مهاجرين في البحر المتوسط. ومع اشتعال أزمة السودان والاضطراب في دول إفريقية عدة، فإن موجات اللجوء قد تزداد وتيرتها، وسيكون هناك ضحايا كُثر، يتحمل مسؤوليتهم المجتمع الدولي أجمع، خاصة تلك الدول التي تعبث بأمن القارة، وتذكي الصراعات فيها، بهدف نهب ثرواتها، وتعزيز النفوذ، على حساب الشعوب الجائعة، وفي المقابل فإنها تتنصّل عن استقبال أشخاص كانت سبباً في مأساتهم.

ما يحدث في المتوسط يفند أكذوبة الإنسانية التي تدّعيها المجتمعات المتحضرة، ويُظهر أنها تلجأ إليها عند الحاجة إلى التسلط على من هو أضعف منها، لكن أنيابها تبرز إذا مست مصالحها، على الرغم من أن المهاجرين هم إضافة للدول الأوروبية التي أثقلتها الشيخوخة وأضحت بحاجة إلى دماء جديدة تدير عجلة الاقتصاد فيها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y2k27b5k

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"